هناك األب بيير دسكوفمون مع فريق عمل

Transkript

1 فرق السي دة لبنان أم كانت هناك يسوع األب بيير دسكوفمون مع فريق عمل

2 2 هناك أيام يكون فيها الشفعاء والقديسون غير كافين العاديون منهم والعظماء فيجب االلتماس ممن هو أعلى واالستمرار في الصعود دائم ا إلى األعلى... إلى أن يأتي وقت ال بد فيه من أن نحزم أمر نا ونتوج ه مباشرة إلى التي هي فوق الجميع. يجب التحلي بالجرأة لمرة واحدة والتوجه بجسارة إلى التي تشفع بنا وهي الوحيدة التي تستطيع أن تتكلم بسلطة األم.

3 3 المقدمة عرس قانا الجليل! "كانت أم يسوع هناك" )يوحنا ۱/۲( الصلب! "هناك عند صليب يسوع وقفت أمه" )يوحنا ۱٩/۲٥( يرك ز إنجيل يوحنا على وجود مريم في لحظتين حاسمتين من حياة المسيح االجتماعية في بدايتها وفي نهايتها في قانا الجليل وفي مكان الصلب. إن الربط بين هاتين اآليتين من اإلنجيل له مدلوله وال سيما أن يسوع أطلق على أمه اسم: "امرأة" في كلتا الحالتين وقد أراد بذلك- كما يقول آباء الكنيسة- أن يبي ن لنا أن مريم هي "حواء الجديدة" شريكة "آدم الجديد" في إنجاز خالص العالم. وقد ساهمت مريم في هذا العمل الخالصي العظيم إلى حد أنها عج لت في تحقيقه إن صح القول فتدخلها هو "سبب" آية يسوع األولى! إال أن الدور الهام الذي قامت به مريم في تاريخ خالصنا ال يقتصر على تلك السنوات التي قضتها على األرض إذ إنها تواصل عملها في السماء وهو عمل سري تؤديه لدى جميع األوالد الذين أعطاها إياهم يسوع المصلوب. ليس من الخطأ إذا أن نكر س عاما كامال للتأمل في المكانة السامية التي تحتلها مريم في دخول المسيح إلى حياتنا وإلى حياة الكنيسة بأسرها. وثمة سبب آخر يحر ض األس ر المسيحية على التفكير في هذا األمر: فقد دشن يسوع رسالته في أثناء حفلة عرس وكان قبل عدة أسابيع قد جمع حوله بعض التالميذ الذين اختارهم بعناية بعد قضائه ليلة كاملة في الصالة )مر ۱٩-۱۳/۳ ( بيد أنه لم يكن قد أظهر لهم مجده كما ورد في اإلنجيل )يوحنا ۱۲/۲(. أظهر يسوع مجده بتلبيته مع تالميذه دعوة إلى حضور حفلة عرس لرجل وامرأة من قانا الجليل وقد أراد بذلك أن يبي ن لنا األهمية التي يعلقها على مؤسسة الزواج ورغبته في تغيير وجه الحب الزوجي رامزا إلى هذه الرغبة بعمل رائع حول فيه الماء إلى خمر. إذا على مثال هذين العروسين الشابين في قانا الجليل ل ندع يسو ع إلى أس رنا وإلى ف رقنا متذكرين أن أم يسوع حاضرة حضورا سري ا كما في قانا وهي ال تزال تلعب دورا رئيسيا دورا سنحاول فهمه بشكل أفضل خالل هذه السنة من أجل حيوية مسيحية أكبر وإشعاع رسولي أفضل في أس رنا كافة. يتضم ن هذا الموضوع ثمانية فصول- ال ندعي استيفاء الموضوع فيها- نعرض فيها ثماني حقائق أساسية عن مريم لعل نا نجني منها فائدة كبيرة عند تقصيها. ويشتمل كل فصل على: أيقونة أو صورة لمريم مرفقة بتعليق وجيز- عرض الهوتي- صفحة من اإلنجيل- صالة - مختارات من نصوص كتبها مؤلفون قدامى أو معاصرون لها صلة بمضمون الفصل. وغني عن البيان أنه يتعي ن على الفرق أن تختار بنفسها من بين هذه المواد المتنوعة ما يبدو لها األفضل لتستعمله كنقطة انطالق في أثناء تبادلها األفكار. مالحظات ۱- سيتم التعليق طوال السنة على نشيد مريم "تعظم نفسي الرب!" فهي صالة أساسية في حياة الفرق. ۲- ال يتضمن هذا الموضوع كل ما يمكن قوله عن إنجيل عرس قانا الجليل... وأمامنا عدة سنين لنفك ر فيه. ۳- تحتوي المرفقات على بعض اللمحات التاريخية والتفسيرية من شأنها أن تحظى باهتمام بعض القر اء.

4 4 نشيد "مريم" من إنجيل يسوع المسيح حسب القديس لوقا )۱/۳٩-٥٥(: "وفي تلك األيام مضت مريم تجد السير إلى الجبل إلى مدينة في يهوذا. ودخلت بيت زكريا فسل مت على أليصابات. فلما سمعت أليصابات سالم مريم ارتكض الجنين في بطنها وامتألت أليصابات من الروح القدس فهتفت بأعلى صوتها: "مباركة أنت في النساء! ومباركة ثمرة بطنك! أن ى لي أن تأتيني أم ربي فما إن وقع صوت سالمك في مسمعي حتى اهتز الجنين طربا في بطني. فطوبى لك يا من آمنت بأن ما بلغها من عند الرب سيتم". فقالت مريم: "تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي باهلل مخل صي ألنه نظر إلى تواضع آمته فها منذ اآلن تطوبني جميع األجيال ألن القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس ورحمته إلى أجيال وأجيال للذين يتقونه. صنع عز ا بساعده وشتت المتكبرين بأفكار قلوبهم. حط المقتدرين عن الكراسي ورفع المتواضعين أشبع الجياع خير ا واألغنياء أرسلهم فارغين. عضد شعبه فذكر رحمته- كما كلم آباءنا- إلبراهيم ونسله إلى األبد". ومكثت مريم عندها نحو ثالثة أشهر ثم عادت إلى بيتها". * * *

5 5 كلمات مريم السبع تنقل إلينا األناجيل سبعة أقوال لمريم أم المسيح المباركة لتبي ن بطريقة صوفية مريم ممتلئة نعمة أن بمظاهر سبعة. لم ت كلم المالك سوى مرتين: - أن ى يكون هذا... )لوقا ۱/۳٤( - أنا أم ة الرب )لوقا ۱/۳٨( وتكل مت أيضا مرتين مع أليصابات: - أوال إللقاء "السالم" عليها )لوقا ٤۰/۱( - ثم لتسبيح هللا عندما قالت: تعظم نفسي الرب )لوقا ۱/٤٥( أما مع ابنها فتكل مت أيضا مرتين: - المرة األولى في الهيكل إذ قالت له: يا بني لم صنع ت بنا ذلك )لوقا ۲/٤٨(. - والمرة الثانية في عرس قانا: لم يب ق عندهم خمر )يوحنا ۳/۲( وتكل مت مع الخدم مرة واحدة فقط: افعلوا ما يأمركم به )يوحنا ۲/٥(. وفي جميع تلك الحاالت كانت دائما تنطق بكلمات قليلة جدا ما عدا عندما أسهبت في تسبيح هللا وشكره حيث قالت: "تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي باهلل مخل صي". لم تكن في هذه اللحظة تتحدث مع امرئ بل مع هللا. )من أقوال القديس برناردان السييني /۱۳٨۰-۱٤٤٤/ وهو راهب فرنسيسكاني كان يعظ بدون كلل في الساحات العامة في إيطاليا مستعمال لغة بسيطة وشعبية(. يا مريم إنك تحملين باحترام جزيل الكن ز الذي عهد الرب به إليك وبإيماءة مهيبة ترينا إياه داعية إيانا إلى رفع أنظارنا نحو وجه طفلك. وأنت يا يسوع بحركة ممتلئة محبة وحنانا تعانق أ م ك بساعديك "و تقبلها". دع نا نترك ك تقب لنا نحن أيضا فاليوم لم يعد ساعداك ساع دي طفل بل إنهما ساعدا العلي القدير الذي قام من بين األموات يوم الفصح. أمسك بنا بيديك اللتين اخترق تهما خطايانا واللتين أصبحتا اليوم قادرتين على اإلمساك بآدم وحواء إلخراجهما من مثوى األموات. دعنا نصبح نحن أيضا قديسين بين ذراعيك ذلك ألن بولس الرسول ما فتئ يردد لنا قائال إن الحياة المسيحية إنما هي أن نعيش "فيك" أي في أحضانك! وإذا مر رنا في فترات ال نرغب فيها كثيرا أن نبذل أنفسنا خذنا يا يسوع وأمسك بنا كي تحقق فينا ما تحلم به منذ األزل أي أن تجعل من ا قديسين حقيقيين وقديسات حقيقيات ت ح ف قداسة ال نختلف كثيرا عن مريم أم ك وأ منا.

6 6 عذراء فالديمير" ت سم ى هذه األيقونة "حامية روسيا" إذ بشفاعتها أنقذت العناية اإللهية هذا البلد من العديد من الحرائق وأعمال النهب مثل أيقونة عذراء بلدة "تشيستوكوفا". Czestochowa وقد كتبها)رسمها( رسام يوناني مجهول في بداية القرن الثاني عشر ثم ن قلت حوالي سنة ۱۱٨۳ من القسطنطينية إلى كييف وبعد عشرين عاما إلى مدينة فالديمير حيث اكتسبت اسمها. وبقيت هناك حتى عام ۱۳٩٩. ثم تم نقلها إلى موسكو حيث ال تزال موجودة إلى اليوم )في متحف" ترتياكوف"(. أما مدينة فالديمير فإنها تقع على مسافة ۲۰۰ كلم إلى الشمال الشرقي من موسكو وقد أخذت اسمها من أمير كييف "فالديمير" )٩٨۰-۱۰۱٥( الذي أدخل الدين المسيحي إلى أوكرانيا وكانت تسم ى آنذاك "روس" )وهو اسم ال عالقة له بكلمة "روسيا" أي موسكوبيا القديمة(. * * *

7 7 لماذا ال تبتسم أب دا الوجوه التي تمثلها األيقونات بما أننا اعتدنا التأمل في أسرار الفرح والحزن والمجد من خالل المسبحة الوردية أصبحنا نعتبر تلقائي ا ميالد يسوع حدثا مفرحا في حين أن وجهه الذي شوهه إكليل الشوك يبدو لنا وكأنه وحده يلخ ص كل آالمه. ال وجود لهذا الطابع المزدوج في ذهن رسامي األيقونات. عندما يرسمون أيقونة ميالد المسيح يضعون الطفل الوليد في مغارة سوداء ترمز إلى القبر المقدس حيث سيوضع في نهاية حياته. أم ا الق مط فإنها ترمز إلى الكفن الذي سينهض منه المسيح قائما من الموت. إن أيقونة "عذراء الحنان" المسماة "عذراء فالديمير" ال تبتسم شأنها شأن الطفل الذي تحمله. ويذك رنا وجه ها الرصين بما فعلناه بابنها الذي صلبته خطايانا. وعلى العكس إن المسيح الذي يظهر في األيقونات مسم را على خشبة الصليب ال يبدو وكأنه يتأل م كثيرا إنه عظيم األحبار الذي ورد ذكره في الرسالة إلى العبرانيين والذي يقد م ألبيه إلى األبد ذبيحة الخالص. وهو يوحي بأنه أصبح مذ اك م مجدا. لنتذكر الصليب الموجود في كنيسة القديس داميان الصغيرة والذي وقف أمامه القديس فرنسيس األسيزي فسمع المسيح يقول له: "اذهب يا فرنسيس وأعد بناء كنيستي التي هي على وشك االنهيار". ال تزال األيقونات تساعد اآلالف من المسيحيين على أن يعيشوا في حضور المسيح فاأليقونة تمث ل دائما وجها ينظر إلينا. وحتى إذا كان المسيح مرسوما رسما جانبيا نشاهد دائما عينيه ألن المقصود هو أن نتركه ينظر إلينا أكثر من أن ننظر نحن إليه. وإذا وضعنا أيقونة في منزلنا فذلك لكي نعيش بقدر أكبر تحت نظرة المسيح القائم من بين األموات. "اللهم أرجعنا وأنر علينا بوجهك فنخلص" )المزمور ٤/٨۰(.

8 8 الفصل األول والدة اإلله "مباركة ثمرة بطنك!" )لوقا ٤۲/۱( إن مصدر جميع مزايا مريم يكمن في كونها اختي رت دون أن تكون أهال لتكون أم هللا. أوال : إعالن مجمع "أفسس" أعلن مجمع أفسس رسميا عام ٤۳۱ عقيدة "أمومة مريم اإللهية" في حين كان بطريرك القسطنطينية نسطوريوس يرفض بعنف لقب: "والدة اإلله" )ثيوطوكوس( الذي أطلقه الشعب على مريم بدافع من التقوى. وكان يقول: "كيف يمكن أن تكون هلل أم التسمية الوحيدة الممكن إعطاؤها لمريم هي: "أم المسيح" )خرستوطوكوس(. وعلى العكس كان كيرلس مطران اإلسكندرية يصر ح أن كلمة "ثيوطوكوس" تليق تماما بمريم إذ ال توجد في يسوع المسيح شخصيتان إحداهما إلهي ة واألخرى بشرية بل شخص واحد هو شخص ابن اآلب األزلي ذاته الذي من حته مري م جسدا. ومثلما تسم ى المرأة أما البنها في حين لم تخلق رو حه كذلك من الحق أن ت سم ى مريم أما البن هللا مع أنها بالطبع لم تلد ألوهيته. عام 134 اجتمع ۱٩٩ أسقفا في أفسس في كنيسة كانت تسم ى منذ ذلك الوقت "ثيوطوكوس" وأي دوا موقف المطران كيرلس اإلسكندري. ويالحظ أن هذا اإلعالن المجمعي يشكل تأكيدا حول المسيح أكثر منه حول مريم. فالمجمع عندما أعلن أن مريم هي "والدة اإلله" أراد على نحو خاص أن يبرز الوحدة العميقة الكائنة في المسيح بين طبيعته اإللهية وطبيعته البشرية. وهذه الوحدة هي من القوة بحيث ال تعني سوى وجود شخص واحد فيه: شخصه اإللهي وهذا الشخص هو االبن الوحيد الذي أنجبته مريم بالطبع دون أن تلد ألوهيته. وبعد انقضاء عشرين سنة التأم مجمع خلقيدونية عام ٤٥۱ وأوضح أن الوحدة العميقة الكائنة في المسيح بين طبيعته اإللهية وطبيعته البشرية ينبغي أال تدفعنا إلى عدم التمييز بينهما: فيسوع في الوقت ذاته إله كامل وإنسان كامل. حقيقتان متكاملتان يؤمن بهما جميع المسيحيين )كاثوليك وأرثوذكس وبروتستانت وأنكليكان( ومن شأنهما إنارة أية دراسة الهوتية تتناول مريم. فالطفل الذي حملته مريم وأنجبته وربته مع كونه ابن هللا بالذات قد عاش كليا أوضاعنا البشرية. )فيلبي ۲/٥-٨(. ثاني ا: أساس "مزايا" مريم تطرق األنكليكاني "نيومان" إلى كل ما ينتج عن هذه العقيدة األساسية فانتهى به التفكير إلى قبول سائر المزايا التي خصت بها الكنيسة الكاثوليكية مريم )الحبل بال دنس انتقال جسد العذراء إلى السماء(. ومن جملة ما قاله: "المهم هو أن ندرك تماما الحقيقة الجوهرية التالية الواردة في قانون اإليمان: إنه )المسيح( مولود من العذراء مريم". وتابع قائال : "عندما تترسخ فينا القناعة بأن مريم حبلت باألزلي وأرضعته وحملته طفال صغيرا أيمكننا وضع حد لهذا السيل من األفكار التي تحتويها تلك العقيدة )...( فعندما أعلن الرسل حقيقة تجسد ابن هللا برزت فكرة جديدة وتعاطف جديد وإيمان جديد )...( ولكن عندما

9 9 أدركت البشرية تمام اإلدراك عالوة على ذلك أن لهذا اإلله المتجس د أما تدفق أمامها هنا نبع ثان من األفكار نبع كان مجهوال من قبل وال مثيل له. وحقيق ة كون مريم أ م هللا مستقلة كليا عن حقيقة تجسد هللا. فيسوع المسيح إن ما هو هللا الذي تواضع أما مريم فإنها امرأة ارتقت إلى األعلى من بين جميع النساء". وفي الواقع مريم هي أروع خليقة أنتجها الجنس البشري على اإلطالق. فالمسيح مع كونه يتمتع بطبيعة بشرية ليس شخصا بشري ا بل هو شخ ص ابن هللا بالذات الذي جاء إلى األرض ليخلصنا. والطبيعة البشرية التي يضطلع بها لها طابع ذكوري غير أن ماهيته العميقة تكمن في كونه شخ ص الكلمة األزلي ذاته الذي يتعدى أي تمييز جنسي. يصح القول إذا بالنسبة إلى كل مسيحي: إن الشخص البشري األكثر إرضاء واألكثر إتقانا هو شخص المرأة. جاء هذا التأكيد في أفسس قبل أن توجد الحركات النسائية! ثالث ا: المكان المركزي لجسد المسيح في تحقيق خالصنا أيتها العذراء مريم أم هللا لقد حملت في أحشائك ذاك الذي ال يسعه الكون لكي يصبح واحدا منا. عندما نحيي مريم ونسميها "والدة اإلله" نتذكر الدور الرئيسي الذي لع به جس د المسيح وال يزال يلعبه في تحقيق خالصنا. ففي مريم أخذ هللا عينين مثل عيوننا لينظر إلينا ويبتسم لنا ومن أحشائها خرجت في ليلة الميالد يدا يسوع اللتان شفتا في وقت الحق العديد من المرضى قبل أن يتم تثبيتهما بالمسامير على خشبة الصليب وقبل أن تخرجا من القبر صباح يوم الفصح حي تين إلى األبد. كي ال نتعجب من المكانة االستثنائية التي تحتلها مريم في الفكر المسيحي لنبدأ بالتأمل في الطريقة التي قرر هللا أن يخلصنا بواسطتها وأن يدخلنا في حميميته اإللهية. ألجل ذلك قرر اآلب أن يقدم لنا جسد ابنه طعاما الجسد الذي ولد في بيت لحم من العذراء مريم. فقال لهم يسوع: "إذا لم تأكلوا جسد ابن اإلنسان وتشربوا دمه فلن تكون فيكم الحياة" )يوحنا ٥/٥۳(. يمكن بالطبع أن نتصور طريقة أخرى لتحقيق مخطط هللا. ألم يكن من األسهل أن يرسل هللا نفحة روحه القدوس مباشرة إلى قلوب جميع الناس ذوي اإلرادة الصالحة ولالستفادة من تأثيره كان يكفي أن تفتح القلوب لقبوله عن طريق بعض التمارين من الخشوع الداخلي... من هذا المنظور ت ضحي ممارسة األسرار عديمة الجدوى كليا... ويقتصر فعلها على االستبطان عند الذين ال يستطيعونه بأنفسهم. رابع ا: الروح القدس أعطي لنا بجسد المسيح يؤمن المسيحيون بجسارة بأن مخطط هللا يختلف عن ذلك اختالفا كليا إذ إنه بيسوع وفيه قرر اآلب أن يسكب روحه القدوس في قلوب أبنائه ليشركهم في حياته. إنه "المسيح" أي الذي "م سح " بروح هللا وتش ربه إلى حد أنه أصبح قادرا على سكبه بغزارة على جميع الذين يقتربون منه بثقة وحب!. يشكل جسد المسيح حق ا القناة التي تمر عب رها جمي ع ال ن عم اإللهية. وكان يسوع في شفائه لمرضى زمنه يجمع في العديد من األحيان القول بالفعل. فقد وضع إصب عيه في أذن ي رجل أص م أبكم وت ف ولمس لسانه ثم رفع عينيه نحو السماء وقال له: "افتح" أي انفتح )مرقس ٩/۳۳-۳٤(. كما أنه أخذ ي د ابنة يائيروس ليحي يها وقال لها: "طليتا قوم" أي "يا صبية قومي" )مرقس.)٤۱/٥ يا له من تعليم رائع يفه منا به يسوع أنه سيواصل شفاءنا في المستقبل عن طريق االتصال بجسده المقدس. أجل فكلما تقر بنا من أحد األسرار المقدسة يأتي يسو ع نف سه ليالقينا ويأخذنا بيديه ليشركنا بقدر أكبر في حياته بصفته ابن هللا القائم من األموات. وكلما حصل شفاء عجائبي في العالم يكون المسيح قد تدخل شخصي ا في جسم المريض وأعطاه "جرعة زائدة" من الروح القدس ليستعيد صحته. كان يسوع دائما يشفي المريض أو يخل ص الممسوس بواسطة إصبع هللا أي روحه القدوس )متى ۱۲/۲٨ ولوقا ۲۰/۱۱(.

10 10 ال ينسكب روح هللا بدون وساطة المسيح في إنسانيته المقدسة. فعندما أكون في كنيسة أمام القربان المقدس أجثو أمام جسد المسيح القائم من األموات مسكن الروح القدس بكليته فينشر جس د المسيح هذا الروح في أرجاء العالم. وقد أك دت تعاليم المجمع الفاتيكاني الثاني أنه حتى عندما يتلقى إنسان غير مسيحي بعض نفحات من هذا الروح فإن ذلك يتحقق عن طريق جسد المسيح المولود من العذراء مريم والمسمر على الصليب والقائم من بين األموات في يوم الفصح. حقا إن سر اإليمان هو سر عظيم! فخالصنا لم يتم بسبب انتشار اإلنجيل أي بشرى الحب الرائعة التي جاء يسوع ليعلنها فحسب بل هو وبشكل خاص يتم ويتحقق أيضا بتدفق الروح القدس الذي ي ع بر حتما بجسد المسيح ليبلغ إلينا. تعيد أيقونات مريم إلى أذهان المسيحيين س ر التجسد ا رال سخ في قلب إيمانهم. وسواء أكانت مريم تحمل طفلها في ذراعيها أم على ركبتيها فإنها تدلنا على يسوع المصدر الدائم لخالصنا والثمرة المباركة ألحشائها. وتدعونا أيضا إلى اإلفادة بقدر أكبر من الكنز الخارق الذي أعطانا هللا إياه عندما وضع بين أيدينا جسد المسيح بعد أن صنعه في أحشائها. إنه هو وحده الذي يخل صنا هو حقا يسوع هللا يخل ص! * * *

11 إ) 11 * للحوار في الفرقة: ۱- ما هي المكانة التي تحتلها مريم العذراء في صالتنا ۲- هل نعيش بما يكفي من الواقعية اتحادنا بجسد المسيح المولود من العذراء مريم هل نعتقد أن المسيح يأخذنا حقا بيديه في هذا االتحاد إنهما يدا القائم من األموات لكنهما يدا يسوع. ۳- ما هي أيقونات العذراء- أو صورها أو تماثيلها- التي نفض لها هل هناك مظاهر لتقوى مريمية أبعدتنا عن مريم * للحوار بين الزوجين : "يمكن بدء هذا الحوار بصالة لمريم العذراء" ۱- ما هو تاريخ عالقاتنا الشخصية مع مريم ما هي األمور التي اقترنت بيقيننا أو كانت موضع شكوكنا وأسئلتنا ۲- هل هناك ظروف نلتجئ فيها إلى مريم بقدر أكبر هل تشكل مريم على األخص بالنسبة إلينا حضورا أو مثاال أو شفيعة أو شيئا آخر صالة الجتماع الفرقة نجيل لوقا ۱/۲-۱٤( "في ذلك الزمان أمر القيصر أغسطس بإحصاء جميع أهل المعمور. وجرى هذا اإلحصاء األول إذ كان كيرينوس حاكم ا في سورية فذهب جميع الناس ليكتتب كل واحد في مدينته. وصعد يوسف أيض ا من الجليل من مدينة الناصرة إلى اليهودية إلى مدينة داود التي تدعى بيت لحم فقد كان من بيت داود وذريته ليكتتب ومريم خطيبته وكانت حامال. وبينما هما فيها حان وقت والدتها فولدت ابنها البكر فقم طته وأضجعته في مذود ألنه لم يكن لهما موضع في الفندق. وكان في تلك الناحية رعاة يبيتون في البرية يتناوبون السهر في الليل على رعيتهم. ففاجأهم مالك الرب وأشرق مجد الرب حولهم فخافوا خوف ا شديد ا. فقال لهم المالك: "ال تخافوا إني أبشركم بفرح عظيم يعم الشعب بأجمعه: ولد لكم اليوم مخلص في مدينة داود وهو المسيح الرب. وإليكم هذه العالمة: ستجدون طفال مق مط ا مضجع ا في مذود". وانضم إلى المالك بغتة جمهور من جند السماء يسبحون هللا فيقولون: "المجد هلل في العلى! والسالم في األرض ألهل رضاه"! * * *

12 12 االبن البكر يذكر اإلنجيل أن مريم ولدت في بيت لحم ابنها البكر )لوقا ۲/٩(. تفترض كلمة "بكر" في لغاتنا الحديثة وجود ولد ثان بيد أن األمر يختلف في لغات الشرق القديم فتسمية "بكر" ت طلق دائما على أول مولود سواء كان له إخوة أم ال. ونورد على سبيل المثال الكتابة اآلتية المدو نة على ضريح مصري: "توفيت عند إنجابها ولدها البكر". ال يعني إذا نص لوقا اإلنجيلي أن يسوع كان له إخوة ونعلم أن اإلنجيليين الذين تكلموا عن "إخوة" يسوع ( متى ۱۲/٤٥- مرقس ۳۱/۳- لوقا ۱٩/٨( إن ما كانوا يترجمون من العبرية أو اآلرامية كلمة ال تعني سوى "أقارب". إال أن كت اب العهد الجديد باستعمالهم المتكرر لفظة "بكر" لإلشارة إلى يسوع "بكر الخالئق كلها" )كولوسي ۱/۱٥( أو "بكر من قام من بين األموات" )كولوسي ۱/۱٨( يعيدون إلى أذهاننا أن يسوع هو "بكر إلخوة كثيرين" )رومة ۲٩/٨( و ص فتهم الرسالة إلى العبرانيين بأنهم "جماع ة األبكار المكتوبة أسماؤهم في السماوات" )عب ۲۳/۱۲( ففي العهد الجديد نحن جميعا "أبناء أبكار" إذ إننا أعضا ء يسوع الذي هو االبن البكر بالذات! إننا إخوة يسوع بصفتنا أعضاءه وأصبحت مريم أما لجمهور من األوالد عهد بهم إليها اب نها البكر المصلوب. صالة ليتورجية لالحتفال بالقديسة مريم أم هللا )أول كانون الثاني( لنتضرع بفرح إلى المسيح "هللا معنا" الذي ولدته العذراء: الالزمة : يا يسوع يا ابن العذراء مريم استجب لنا! - أنت الذي أعطى العذراء مريم فرح األمومة امنح الوالدين القدرة على أن يفرحوا بأوالدهم. - أنت الذي عاش طفال صغيرا في الناصرة اجعل األطفال ينمون في حب هللا اآلب. - أنت الذي يريد أن يجعل من الجنس البشري شعبا هلل احفظ األم م من روح التفرقة. - أنت الذي جاء ليرس خ ملكو ت البر والسالم اد عم جهودنا ألجل اإلتحاد األخوي. - أنت الذي اختار أن يولد في نور هذا العالم امنح الذين يموتون أن يولدوا في النور األبدي. لنصل : أيها اإلله العلي القدير لقد م نح ت الجن س البشر ي ثروات الخالص األبدي من خالل األمومة البتولية للقديسة مريم. د عنا نشعر بشفاعة تلك التي أتاحت لنا أن نستقبل مبد ع الحياة يسو ع المسيح اب نك ور بنا الذي يملك معك ومع الروح القدس إلى أبد اآلبدين. آمين. * * *

13 نصوص: 13 رح ل محت ق رون لم تكن مهنة الرعاة تحظى باحترام أكابر القوم وكانت ت صن ف حسبما ورد في أحد األقوال المأثورة بين "حر ف اللصوص" التي ال يجوز لليهودي الشريف أن يسمح بتشغيل ابنه فيها مخافة وصمه بالعار. كما أن موقف الحاخامين كان قاسيا تجاه هؤالء الرعاة الذين تبعدهم طبيعة حياتهم الترحلية عن المجمع وعن ممارسة الطقوس وعن نفوذ الحاخامين أنفسهم. أم ا بالنسبة إلى القديس لوقا بشير الفقراء فالرعاة هم هؤالء "األطفال" الذين أراد هللا أن يكشف سر ه لهم ( ۱۲/۱۰( ألنه ليس لديهم أي غرور يحجبهم عن نعمته. وعندما اختارت مريم لنفسها في الحقب الالحقة من يشهد لظهورها على األرض )في لورد والساليت وبون مان وفاطمة... ( توج هت هي أيضا إلى أناس متواضعين إلى رعاة إلى الذين هم أكثر شبها برعاة بيت لحم. )هنري كافاريل "خذ امرأتك مريم إلى بيتك" النار الجديدة ۱٩٨۳ ( Henri Caffarel, Prends chez toi Marie ton épouse, Ed. Feu nouveau "لم يكن لهما موضع في المنزل )في الكاتاليما(" لوقا ۲/٧ ما هو "الكاتاليما" تتأرجح آراء المفسرين بين نظريتين: ۱- إنه "الخان" حيث تبيت القوافل العابرة ويستطيع كل الناس أن يجدوا سقفا ينامون تحته أو يربطون فيه مواشيهم كما ورد في أرميا )۱٩/٤۱( حيث توقف يوحنان ومن معه في موقع يدعى كيمهام بالقرب من بيت لحم. ۲- أو هو عبارة عن قاعة ضيافة )مضافة( لإلقامة فيها "كالعلية" التي تم إعدادها للعشاء السري والتي هي أيضا "كاتاليما" )لوقا ۱۱/۲۲(. ويدل هذا المثل األخير وغيره من األمثلة على أنه كان لتلك الكلمة معنى أوسع: مكان لالستقبال والضيافة. وما يجب استبعاده هو ترجمة هذه الكلمة ب"فندق" كما ال يزال يفعل بعض المؤلفين علما أن لوقا اإلنجيلي عندما أراد اإلشارة إلى فندق يستقبل الناس مقابل أجور استعمل كلمة "باندخيون") ۳٤/۱۰ ( Pandocheion فصاحب الفندق الشرير هو من أعمال فلكلور القرون الوسطى. الواضح هو أنه "لم يكن لهما موضع" في مسكن طبيعي واستعمال كلمة "مذود" يوحي بوجود إسطبل. ويبدو السبب الذي حال دون استقبال العائلة المقدسة ليس ازدحام الناس الناتج عن عملية اإلحصاء بل حالة مريم التي كانت على وشك الوالدة. وقد ترجم "ديلبيك" Delebecque الجملة المذكورة بقوله: ألنه لم يكن مكانهما في الفندق. أم ا بالنسبة إلى الترجمة الثانية: "ال مكان لهما في المضافة " فيستنتج منها أن العائلة المقدسة التي لم يتوفر لها محل في القاعة العامة التي تشكل البيت ذاته )متى ۱۱/۲( وجد ت مكانا منزويا للوالدة في غرفة مجاورة ت ستخدم كزريبة كما توحي بذلك كلمة "مذود". أم ا إذا أخذنا بالنظرية القائلة إنهما لم يجدا مكانا في "الخان" فيمكن االفتراض أنهما لجأا إلى مأوى عارض قد يكون مغارة بيت لحم الشهيرة. )رينه لورانتان :"أناجيل طفولة المسيح" ۱٩٨۲( (René Laurentin, Les Evangiles de l enfance du Christ,1982 ) ما من دين علق مثل هذه األهمية على الجسد لو ط ل ب إل ي أن احتفظ بكلمة واحدة تتعلق بالمسيحية ما هي الكلمة التي سأختارها رب هامس يهمس لي: "الحب". هذا طبيعي غير أن الكلمة ال تزال تتصف بطابع تجريدي غير دقيق إذ كما قال البابا يوحنا بولس الثاني للشباب: يسوع فقط يمثل في شخصه ما تعنيه كلمة "ح ب". أم ا الكلمة التي احتفظ أنا بها فهي "الجسد"! وذلك بدون أي تردد. سوف تستغرب أيها القارئ هذا االختيار وتتهمني بأني أفتقر إلى السم و والروحانية والتصوف. إذا اتبعني فقط لمسافة قصيرة.

14 يتيح لي الجسد أن استذكر حقائق إيماني وهي: 14 - جسد يسوع الطبيعي الذي أخذه من مريم. - الجسد الروحاني للمسيح القائم من األموات وهو كنيسته. - الجسد السري الذي يعطينا إياه يسوع في اإلفخارستيا. - "جسد" الكتب المقدسة التي يجعلنا المسيح ندركه بواسطتها. - جسد الفقراء الذين يجب علي أن أطعمهم واكسوهم بدافع المحبة. - جسدي أنا الذي يتيح لي أن أحب والذي انتظر قيامته المجيدة. أيوجد "حب" بدون كل ذلك عندما تقع الخطيئة تكون دائما ضد "الجسد" على مختلف أشكاله )۱ قورنتس.)۲٩/۱۱ وخالصة القول إن لدي في كنز إيماني روعتين تلخ صان كل شيء: إن هما مريم واإلفخارستيا. ولكن اطمئ ن أيها القارئ لن أمنحك "درسا في الورع والتقوى" حتى أبلغ إلى خاتمة جميلة تتضمن مقطعا من البسالة إن ما أقوله لك هنا جدي مثل سائر ما تبقى. فقد تحدثت المجام ع الكبيرة عن يسوع عندما تحدثت عن مريم والصمت حول مريم هو خطأ تجاه يسوع. مريم هي المرأة التي تجسد يسوع في جسمها. إذا نسي ت ذلك تقع في أفكار تجريدية تقوية فيتيه دينك في الغموض فاقدا حدوده وتشرد صالتك في الغيوم أو تتركز على شخصك بالذات وتغوص أبحاثك في كتب ال ت شبع جو عك. إن ما تريده ليس كتابا بل "عمانوئيل" ليس الح ب بشكله العام بل صديقا ليس تركي ز ذهنك على ذاتك بل اتخاذ القلب محورا دون أي شيء آخر ليس التها م كتاب بل التها م "جسد" ليس وقوفا أمام باب مغلق بل الغور داخل شق. رد د مع الشاعر هذه الصالة الجميلة إلى هللا أبي المسيح المصلوب قائال : اشر ح لنا كتا ب ك المفتوح بضربة رمح! واشكر مري م لمنحها إياك جسدا من جسدها. فهي لم تلد كتابا مقدسا وال أفكارا وال قيما بل ولدت طفال هو "اإلنسان الجديد". ال تحذ حذو مستقطر الكحول لتقوم بعمل مضر مؤذ فتسعى في آلية التقطير إلى الحصول على بعض نقط من "محلول المسيحية المركز" لتضعه على منديلك وترمي البقايا مع النفايات... فالمهم هو ما ترميه أي الجسد! المسيحية ليست خالصة أو جوهرا إنها وجود أو باألحرى كائن موجود. ال تذهب إلى كاتمندو عاصمة "النيبال" وال إلى محششة أفيون ألن ما تبحث عنه موجود في مذود بيت لحم. كن ت تصعد وكان ينزل فأخذك من يدك ليقودك إلى المكان الصالح برفقته ورفقة أمه. ع د أدرا جك وبد ل طريقك حتى لو كان طريق ورعك فهو الطريق )اندريه مانارانش "حب يسم ى األكثر خطورة طريق أوهامك. هللا وحده إنساني". يسوع" ۱٩٨٥( André Manaranche, Un Amour Nommé Jésus, 1986 هدهادة أم هللا )في القصيدة اآلتية تغني ماري روجيه المعروفة باسم ماري نويل والتي ولدت في مدينة "أوكسير" Auxerre عام ۱٨٨۳ وماتت فيها عام ۱٩٥٩ تغني الحوار الرائع الذي جرى بين مريم وطفلها فقد ر زقت ابنا لم تكن تتوقعه وأعطته فما ويدين لم يكن ليستطيع خالصنا بدونهما(. يا إلهي النائم ضعيفا بين ذراعي يا بن ي المستلقي دافئا على قلبي الخافق أعبد هذه الروعة التي بين يدي والتي وهبتني إياها يا هللا وأهدهد لها مدهوشة. لم يكن عندي ابن يا إلهي لكوني عذراء وفي هذه الحالة المتواضعة ما هي الفرحة المزهرة التي كانت ستولد مني ولكن أنت أيها العلي القدير أعطيتني إياها. ماذا أرد لك أنا التي وق عت علي نعم تك أيها اإلله إنني ابتسم خجلة ألنه كانت عندي أيضا أنا الصغيرة المحدودة كانت عندي نعمة وأعطيتك إياها. يا إلهي لم يكن عندك فم لتتحدث بواسطته إلى الضالين في هذا العالم... فمك الرضيع الذي التفت نحو ثدي ي أنا التي أعطيتك إياه يا بني.

15 15 يا إلهي لم تكن لديك يد لتشفي بإصبعها أجسامهم المسكينة التعبة... يدك الشبيهة ببرعم مغلق وبوردة خجولة أنا التي أعطيتك إياها يا بني. يا إلهي لم يكن لديك جسد لتكسر معهم خبز العشاء... جسدك الذي صنعته في الربيع أنا التي أعطيتك إياه يا بني. يا إلهي لم يكن لديك موت لتخل ص العالم... يا لأللم! فهناك ذات مساء موتك البشري أنا التي أعطيتك إياه يا صغيري. )وردية األفراح ۱٩۳۰( صالة التبشير إن الصيغة المستعملة عادة لتالوة هذه الصالة ال تراعي سير سر التجسد فهي تذكر منذ عبارتها األولى "أن العذراء حبلت بفعل الروح القدس" في حين إنها لم تكن قد أعطت موافقتها بعد. نقترح هنا استخدام الصيغة اآلتية التي وضعتها "مارت روبان" Marthe Robin والتي تبدو أكثر عقالنية: - حمل مالك الرب البشارة إلى مريم بأنها ستصبح أم المخل ص. - فقالت مريم: "أنا أمة الرب فليك ن لي كما قلت". - الكلمة صار بشرا بفعل الروح القدس وسكن بيننا. نسألك يا رب أن تسكب نعمتك في نفوسنا حتى بعدما عرفنا من بشارة المالك تجسد ابنك يسوع المسيح ننقاد بآالمه وصليبه إلى مجد قيامته بربنا يسوع المسيح. )راجع قصة صالة التبشير في الملحق( * * *

16 16

17 17 عذراء الرحمة لم تحظ أية شعائ ر تقوية في القرون الوسطى بالشعبية التي اتسمت بها الشعائر نحو "عذراء الرحمة" التي تبسط معطفها الواقي لتؤوي فيه أوالدها. وقد أله مت عددا ال يحصى من األعمال الفنية. تبدو العذراء ذات قامة عمالقة بالنسبة إلى الذين تحميهم وليس لهذا التفاوت أي طابع جارح لفناني ذلك العهد إذ اعتادوا التعبير عن المراتب الروحية باعتمادهم فروقات بين مقاييس الشخصيات. ومثل ذلك ما نشاهده في الروافد التي يستند إليها المذبح حيث يظهر فيها المتبرعون على شكل أقزام متضرعين يحميهم عمالقة محاطة رؤوسهم بهالة. وفي بعض اللوحات تظهر العذراء حاملة يسوع الطفل على ساعدها األيسر والمالئكة هم الذين يبسطون معطفها. ولكن في أغلب األحيان تمد العذراء ذراعيها لتحيط بردائها كل الذين يلجأون إليها: أعضاء الرهبانية الواحدة أو الفرقة الواحدة أو الجماعة الواحدة. وفي أغلب األحيان أيضا كما يتبين من هذه اللوحة يقسم المسيحيون إلى إكليركيين وإلى علمانيين بحيث يحتفظ اإلكليركيون بمكان الشرف إلى يمين العذراء. ويظهر في اللوحة: البابا والتاج على رأسه والكرادلة وقبعاتهم والمطران وتاجه والراهب وشعره اإلكليلي. أما في جهة العلمانيين فيشاهد األمبراطور والملك والسيد اإلقطاعي والبورجوازيون والقرويون. وتعبر الصورة بطريقة شعبية عن السر الذي أبرزه القديس لوي- ماري غرينيون دو مونفور والذي يشرح فيه أننا جميعا حاضرون "في مريم". فكلما تج معنا حولها كاألطفال استطاعت تأهيلنا وتنميتنا على صورة ابنها البكر. من أقوال ماري بودوان كروا Marie Baudouin- Croix تنطوي سواعد العذراء فتشكل مهدا ألطفالها. فعليك أن تكثر اللجوء إليها لتستريح. يا مريم درع الحنان احمي ضعفي. إقبل أن تكون كالجنين في أحشاء مريم كي تولد في النهاية في بيتها. أحاطت أحضان مريم العذراء ب "ال نهاية" هللا. تستطيع العذراء التي تلتحف بالشمس أن تصف لك النجوم. لكنها تفضل أن تقدم لك خمارها الذي كان غطاء الطفل الحبيب. يا مريم خذيني بين ذراعيك مثلما أراك في األيقونة تضمين يسوع إلى صدرك. يا لفرحة الناصرة الكبيرة عندما ضحك يوسف ومريم من خطوات هللا األولى! أيتها العذراء إنك ممتلئة نعمة في جسدك ير صع الرو ح الجوهر ة األزل ية األنقى واألصفى. * * *

18 18 الفصل الثاني أم الكنيسة والبشر "هذه أم ك" )يوحنا ۱٩/۲٧( كان البابا يوحنا بولس الثاني يرى وهو في سن العشرين أن تقوى الشعب البولوني تجاه "سيدة تشيستوكوفا" أد ت إلى حجب االرتباط الرئيسي بالمسيح الذي هو أساس الحياة المسيحية. ونعلم من خالل محادثاته مع آندري فروسار أن ه وافق في وقت الحق على شعائر تكريم الشعب المسيحي للعذراء مريم وذلك نتيجة قراءته للكتاب المعنون "بحث في تكريم القديسة العذراء الحقيقي" والذي أل فه في القرن الثامن عشر لوي- ماري غرينيون دي مونفور. واستمر في موقفه فوضع حرف "م " M كبيرا على شعاره الحبري ليعلن جهارة المكان ة التي سيعطيها - أو باألحرى سيتركها- لمريم في خدمته الكهنوتية. هنا تكمن المسألة كلها في المكانة الواجب تركها لمريم... سواء علمنا أم لم نعلم سواء شئنا أم لم نشأ فقد د عيت مريم لتلعب دورا رئيسي ا في تحقيق خالصنا أال وهو دور األم. وقد أعلن يسوع هذه األمومة في لحظة مهيبة من حياته في لحظة احتضاره! إذ قبل أن يقول :" تم كل شيء" )يوحنا ۱٩/۲٨( م ن حنا أ مه بالذات كأم لنا )يوحنا ۱٩/۲٩(. وعندما ت درك األسرة المسيحية أهمي ة آخر هدية قد مها المسيح في الفقرة األخيرة من وصيته لن تهمل أبدا اللجوء إلى العذراء لطلب عونها وخدماتها. ذلك ألن مريم ليست كائنا يحبنا ح ب األم فحسب إنها تلدنا إنها بالتعاون مع الروح القدس تنم ي فينا الحياة اإللهية حيا ة يسوع. وما دمنا ال ندرك ذلك سنتساءل مثل كارول فوجتيال في سن شبابه لماذا يخص ص المسيحيون هذا المكان المرموق لمريم العذراء. كما أن نا لن نفهم السبب الذي جعل األ س ر األولى التي اجتمعت حول األب كافاريل تحرص على اعتماد تسمية "فرق السيدة" لحركتها. أوال : أم ال ينقطع حبها نحونا ابتسامة مستمرة خالل حياة مريم األرضي ة لم يكن باستطاعتها أن تكون في آن واحد في الناصرة وفي قانا الجليل. أم ا اآلن وقد دخلت إلى األبد بجسدها وروحها في مجد السماء فقد تحررت كليا من حدود المكان والزمان وهي حاضرة قلبي ا في كافة أعضاء جسد المسيح السري. وتكريم العذراء ال يعني اإلكثار من تالوة السالم المالئكي بل أن نتعود العيش في كنف ابتسامة مريم. لقد تجل ى وجه مريم منذ انتقالها إلى السماء. "وعيناها الممتلئتان رحمة ورأفة" اللتان ما فت ئتا تلقيان نظرهما علينا كما ننشد إليها في صالة "السالم عليك أيتها الملكة" إنما هما عينان تشع ان ابتسامة رائعة. "أماه إ ين أقوم بكل شيء بصورة أفضل عندما أعلم أن ك هنا" : هذه العبارة التي يقولها األطفال تعبر على طريقتها عم ا تؤول إليه الحياة المسيحية عندما تنيرها ابتسامة أ منا مريم. تلك االبتسامة هي التي لمحتها برناديت سوبيرو في "لورد" عام ۱٨٥٨ وتيريز مارتان في "ليزيو" عام ۱٨٨۳. ال شك أن أي ة منهما لم تتأمل ك ل حنان األ م النابع من مريم ولو شاهدتاه لكانتا ماتتا من السعادة. إ ن مدى هذا الحب الالمتناهي الذي يكنه لنا هللا ومريم العذراء وجميع القديسين والقديسات لن نراه في النهاية بصورة تامة إال في السماء. بيد أن هاتين الفتاتين الفرنسي تين شاهدتا بعضا من ابتسامة مريم فذهلتا. ومما قالته برناديت: "إنها رائعة جميلة إلى درجة أن كل من يراها يتمنى أن يموت على الفور ليذهب ويراها من جديد!". وفي ۱٥ تموز ۱٨٥٨ عيد سيدة الكرمل ضاعفت مريم عدد ابتساماتها إلى صديقتها الصغيرة لتود عها. وإحياء لذكرى هذا الحدث اتخذ كرمل لورد اسم "كرمل ابتسامة مريم".

19 19 وعندما بلغت تيريز مارتان سن العاشرة حظ يت بدورها باإلنعام نفسه. ففي عيد العنصرة في ۱۳ أيار ۱٨٨۳ شاهدت مريم تبتسم لها لبضع ثوان وقد دو نت هذا الحدث في وقت الحق قائلة: "فجأة ب ت د لي القديسة العذراء جميلة جميلة إلى حد أنني لم أر مثل هذا الجمال قط فقد كان وجهها يشع طيبة وحنانا يفوقان الوصف غير أن ما اخترقني إلى أعماقي هو ابتسامتها الساحرة". ومن البديهي أنه لم يخطر على بال تيريز أن تتمن ى لنفسها رؤية هذا النوع من التجل ي االستثنائي فهناك العديد من كبار رسل السيدة مريم الذين يعيشون حياة مكثفة بحضورها ولكن لم يحظوا قط بظهورها لهم! إنما يكتفون بوضع صورتها أو أيقونة تمثلها أمام عيونهم ليتذكروا أن مريم إنما هي أم م لتفتة وم بتسمة في حياتهم مثلما في قانا الجليل. أيقونة لحنان اآلب إن توج ه المسيحيين نحو مريم ال يحول أبدا دون تفكيرهم باهلل بل بالعكس كلما قلنا لمريم: "أماه" استطعنا أن نقول ألبينا الذي في السماوات: "أبتاه". إذا أردنا أن نعيش كأطفال تجاه هللا - ويسوع يشج عنا على ذلك بقوة )متى ۱/۱٨(- فمن األنسب لنا أال ننسى تلك التي وهبنا إياها كأم. وهللا يريد إفهامنا بواسطتها ما يكرره باطراد في الكتاب المقدس وهو أنه "بابا" الذي يحبنا مثل "ماما". إن كلمة "بابا" التي يستعملها األطفال مالئمة تماما وتت فق كليا مع التعابير المستخدمة في الكتاب المقدس والتي ترد كلما أراد هللا أن يقدم لنا "بطاقته الشخصية" إن صح القول. فقد احتوت نصوص عديدة من العهد القديم )سفر الخروج ۳٤/٥ المزمور ۱٥/٨٥- المزمور ۱۰۳/٨( كلمات تصف هللا بأنه رحيم وحنون وممتلئ حبا وأمانة وهي كلمات من أصل عبري توحي "ببيت الرحم" و"باحتضان" األم لطفلها. نعم إلله الكتاب المقدس أحشاء أم ويتصرف كاألم وأحد أدوار مريم - وليس أقلها أهمية- هو أن تكشف لنا صفات األمومة تلك عند هللا. إنها حقا ابتسامة األم التي يوجهها هللا إلينا. وبما أن مريم تبتسم لنا باستمرار فمن أبسط قواعد التهذيب أن نعاملها بالمثل فنخصها بأجمل ابتساماتنا. وهكذا س نفر ح بالتأكيد قلب ها الذي هو قل ب أم. كانت كلمة "وردية" تدل في بداية األمر على إكليل الورد الذي اعتاد المسيحيون وضعه على رأس تماثيل العذراء لتكريم ملكة السماء. أم ا اليوم فإنها تشير إلى إكليل حبات المسبحة التي نستخدمها عندما نتضر ع إلى مريم. يعتقد بعض المسيحيين أن كل "سالم مالئكي" هو ابتسامة يوجهونها إلى أمهم في السماء تحية لها وطلبا لمساعدتها. ثاني ا: أم ما فت ئت تلدنا ليست مريم أ منا بالمعنى العاطفي للكلمة فحسب فهي تح بنا محبة األم وتبتسم باط راد لكل من أوالدها. إنها حقا أمنا بالمعنى الفعلي إذ تلدنا إلى الحياة اإللهية. حضن مريم هو حضن أم إن لوي-ماري غرينيون دي مونفور وهو الرسول المريمي العظيم الذي عاش في القرن الثامن عشر تبن ى أفكار القرون السابقة ولخصها مرددا أن نا "في مريم" وأن مريم إن ما هي "قالب حي" يريد هللا أن يؤل ه فيه أوالده. فقد قال هذا الرسول: "لقد تجس د ابن هللا فيها وأصبح إنسانا وفيها يصبح البشر أبنا ء هلل". واستطرد يفسر أن المسيح والمسيحيين ال يشكلون سوى جسد واحد فهو الرأس ونحن األعضاء )الرسالة األولى إلى أهل قورنتس ۱۲/۲٩- الرسالة إلى أهل أفسس ٤/۱۱(. وختم بقوله: إذا كانت مريم أنجبت المسيح فإنها تواصل بشكل سري إنجاب جميع أعضاء جسده الكنسي )بحث في التقوى الحقيقية الفقرة (. ۳۲ إليكم الشروحات التي أعطاها البابا يوحنا بولس الثاني ل "اندريه فروسار" حول ما اكتشفه من قراءة البحث المذكور: "أذكر أنني حملته معي لمدة طويلة حتى في معمل كربونات الصوديوم إلى حد أن غالفه الجميل تلوث بالكلس. كنت دائما أعيد بعض المقاطع منه. وبينما كنت في السابق ابتعد عن التقوى المريمية خشية أن تحجب المسيح بدال من أن تعط يه األولوية أدرك ت على ضوء قراءتي للبحث الذي كتبه غرينيون أن الحقيقة تختلف عن ذلك كليا. فعالقتنا الداخلية بأ م هللا تنجم عضويا عن ارتباطنا بس ر المسيح ولذلك فال مجال ألن يحجب الواحد اآلخر عن أنظارنا".

20 20 وإذا أمكن للقديس بولس أن يدعو أهل قورنتس أبناءه ألنه ولدهم في المسيح )۱ قورنتس ( ۱٥/٤ وأن يدعو أهل غالطية أبناءه الصغار ألنه تمخض بهم مرة أخرى )غالطية ۱٩/٤( حتى يتكو ن فيهم المسيح فيصبح القول من باب أولى إن مريم تلد كل يوم أبناء هللا حتى يتشكل فيهم اب نها يسو ع المسيح في تمام سنه )بحث غرينيون الفقرة ۳۳(. إن ها تغتبط لرؤية المسيح ينمو فينا وتعمل ألجل ذلك. كيف بتعاونها مع الروح القدس. مريم هي معاونة الروح القدس المميزة إن والدة المسيح في النفوس تتم بفعل الروح القدس. إال أن هللا قرر منذ األزل أن تتم هذه الوالدة بالتعاون مع مريم. فقد لعبت مريم دورا جوهري ا في تأنس هللا إذ كانت "المربية المتخص صة" ليسوع كلمة هللا في تلقينه العادات البشرية. فعلمته الكالم والمشي والصالة وعلمته وهو موقد المحبة المولود من موقد المحبة أن ي حب بقلب بشري! )راجع الفصل الخامس(. وبعد أن ضم الرو ح القدس إليه معاونة كهذه لم يعد يستغني أبدا عن خدماتها! فاستم ر في استخدام جميع إمكانياتها ليشكل على مر األجيال كنيسة الرب. كان يروق لألب ماكسيميليان كولب أن يتأمل هذا االتحاد الذي ال تفصم عراه بين الروح القدس ومريم في عملية خالصنا. ومن أقواله: "يشكل الروح القدس صورة االبن البكر يسوع في مريم البتول الطاهرة وبها. واالت حاد بين مريم والروح القدس ال يمكن وصفه وهو من الكمال بحيث يجعل الروح القدس ال يتصر ف إال بواسطة مريم الطاهرة عروسته. إنها شفيع ة جميع نع م الروح القدس" )۲٨ تموز ۱٩۳٥(. حقا! تعيش مريم سما ءها على األرض. ولكونها أما لعائلة كبيرة فهي تواصل تعاونها مع الروح القدس ألجل والدة ونمو الحياة اإللهية في قلوب أبنائها. وبعد أن عملت مريم ألجل تأنس يسوع "كلمة هللا" فهي تعمل ألجل تأليه البشر. كيف نعيش تلك العالقة الحيوية مع والدتنا السماوية نعيشها باستسالمنا لها بكل ثقة وبتكرارنا كلمات غرينيون ذاتها: "إني بكليتي لك أيتها العذراء مريم وكل ما هو لي هو لك". هذا هو المعنى الحقيقي للتكريس المريمي. إن من يكرس نفسه لمريم يعلن بفرح حال ته الموضوعية "أن ه في مريم" فيعترف أن مريم ك ل ف ت منذ األزل بالسهر على نمو يسوع في قلبه ويستطيع أن يقول بعزم متنام: "إن ما المسيح هو الذي يعيش ف ي ويسود علي". جاء في اإلنجيل أن التلميذ الذي كان يحبه يسوع أخذ إلى بيته األ م التي أعطاه إياها معل مه وهو على الصليب أخذها هذا التلميذ فأصبحت "خاصته". دعونا إذا نحذو حذو هذا التلميذ! ولكي نفتح باب قلبنا على مصراعيه استعدادا لحضور المسيح القائم والنتشار روحه فينا نحتاج إلى تأثير مريم كأم مثلما حصل في العلي ة يوم العنصرة. * للحوار في الفرقة: ۱- كيف نعيش سر أمومة مريم الروحية ۲- كيف يمكن أن تح بنا مري م الح ب ذاته الذي أحب ت به يسوع وال تزال ۳- هل يروق لنا أن نتلو المسبحة من وقت آلخر * للحوار بين الزوجين: ماذا نستطيع أن نفعل لكي تبدو مريم بقدر أكبر أما ألسرتنا

21 21 صالة الجتماع الفرقة )إنجيل يوحنا ۱٩/۲٥-۲٩( هناك عند صليب يسوع وقفت أمه وأخت أم ه مريم امرأة )كالوبا( ومريم المجدلية. فرأى يسوع أم ه وإلى جانبها التلمي ذ الحبي ب إليه فقال ألمه: "أيتها المرأة هذا ابنك". ثم قال للتلميذ: "هذه أم ك" فأخذها التلميذ إلى بيته من تلك الساعة. ك! هذه أم إن أهمية هذا التصريح تبدو جلية إذ ترك ز االنتباه على ثالثة عناصر من النص اإلنجيلي: هذا الحوار بين يسوع ومريم ويوحنا هو مركز المشاهد الخمسة التي تصف صلب يسوع. فهو بين مشهد اللوحة المدو ن عليها: "يسوع الناصري ملك اليهود" ومشهد القميص غير المخيط من جهة وبين مشهد صرخة يسوع: "أنا عطشان" ومشهد طعنة الرمح من جهة أخرى. استخدم يوحنا في هذا النص التعابير ذاتها التي استخدمها في التصريحات العلنية المدو نة في إنجيله إذ قال: رأى يسوع أم ه وإلى جانبها التلميذ الحبيب إليه فقال ألمه: " أيتها المرأة هذا ابنك" ثم قال للتلميذ: " هذه أمك" )۱٩/۲٥-۲٩(. ونجد طريقة اإلعالن ذاتها في مقاطع أخرى من اإلنجيل الرابع: رأى يوحنا المعمدان يسوع آتيا نحوه فقال: " هوذا حمل هللا" )۱/۲٩( واألسلوب يتكرر أيضا في اآليات التالية: ۱/۳٥-۳٥ و ۱/٤٩. بعد أن روى يوحنا اإلنجيلي كيف وهب يسو ع مري م للتلميذ الحبيب إليه أضاف قائال : "كان يسوع يعلم أن كل شيء قد تم ")اآلية ۲٨(. وهذا يعني بعبارة أخرى: لكي يتم كل شيء كان يجب أن تمن ح مريم إلى الكنيسة كأم. وهكذا فإن نص اإلنجيل ذاته يركز على هذا العطاء الرفيع الذي خصنا به يسوع عندما وهبنا مريم كأم. سيدة التطويبات أيتها القديسة مريم العذراء أنت تساعديننا على استقبال عظة الجبل تلك التطويبات التي يتحدث الناس عنها كثيرا ويطبقونها قليال ألنها تسير ض د التيار كما لو كان نهر "الغاف" يصعد من الوادي من لورد إلى جبال "البيرينه" الثلجية. أيتها القديسة مريم العذراء أنت تساعديننا لنصبح شعب "الكلمة" )اإللهية( شعب اإلفخارستيا شعب الرسالة. فما فائدة السير بسرعة متزايدة إذا كنا نجهل الهدف وما الفائدة من زيادة اإلنتاج إذا كنا ال نحسن تقاسمه وما الفائدة التي يجنيها الفقراء إن اغتنوا واألغنياء إن افتقروا إذا كانوا ال يعرفون كيف يعيشون مثل المسيح أيتها القديسة مريم العذراء أنت تعلمين سخا ءك عالما يهيمن عليه المال. أنت تبرزين شفاف يتك لعالم بريقه زائف وخداع. أنت تقدمين نقاوتك لعالم متمرد هازئ مدنس. أنت تقاومين بحنانك عالم العنف والبغض. أيتها القديسة مريم العذراء كان عليك أن تبتكري ك ل يوم الطريق ة التي تقولين بها " ن عم" هلل. وكان عليك أن ت عيدي ك ل يوم اكتشا ف هللا في حياتك بطريقة تختلف تماما عن التي كانت ملحوظة لديك. علمينا أن نكون كل يوم ال صفحة تمت طباعتها بل صفحة بيضاء حيث يرسم عليها رو ح هللا الروائ ع التي يصنعها فينا. )الكردينال اتشغاري بمناسبة رحلة حج إلى لورد(

22 22 مريم تفكر في كل واح د منا إنها ترى هللا وجها لوجه إلى أقصى حد ممكن بعد المسيح. وال شك أنها من خالل رؤيتها تلك باعتبارها موكلة بنا تتمتع بقدرة تامة على معرفتنا ورؤيتنا كما يرانا هللا. نصوص: إن جميع أوالد هذه األم حاضرون في ذهنها وعددهم الضخم ال يمنعها من إحصائهم ومن االلتفات إلى كل منهم. وال شك أن هللا يمنحها من حد ة البصر ما يكفي لسبر أغوار أعمق األسرار الغامضة بحيث تصبح حاضرة لنا أكثر من حضورنا ألنفسنا. مسيرة امرأة ملحدة نحو مريم )األب الدومينيكي روغاسيان برنار Rogatien Bernard "سر مريم"( و لدت تاتيانا غوريتشيفا في ليننغراد عام ۱٩٤٩ وأصبحت في السابعة عشرة من عمرها مسؤولة عن الشبيبة الشيوعية )كومسومول( في االتحاد السوفياتي بأسره. وفي السادسة والعشرين من عمرها أخذت تمارس رياضة اليوغا وعلى هذه الطريق التقاها هللا. وبعد أن عاشت تاتيانا المأساة المدم رة لحضارة اإللحاد وجدت مبدأ اتزانها في مريم فأسست مع نساء أخريات أول حركة نسائية روسية تحت اسم "مريم"! وقد عب رت عن انطالقة اكتشافها في مقابلة أجريت معها بتاريخ ۱٥ آذار ۱٩٨۲ وننقل بعض ما قالته خاللها في السطور التالية: " ذات يوم بينما كنت منشغلة في التأمل تلو ت الصالة الربية ألنها مسموحة في جلسات اليوغا بصفتها ضربا من التأمل. تلو تها ولم أكن أعتقد قط بوجود إله في السماوات. إال أ ين بعد تالوتها خمس أو ست مرات لم أفهم فحسب وإنما تحققت فجأة أن هذا اآل ب موجود حقا وأن ه يحبني وأن ه هو الذي خلق كل شيء حولي. وقد الزمني هذا الوعي ولم يتركني حتى هذا اليوم إذ اكتشفت نفسي كامرأة. وهكذا في روسيا الحالية يأتي العديد من الشبان والشابات نحو هللا. وفي وقت الحق بالنسبة إلي تراف قت تلك التجربة الروحي ة بتجربة أخرى هي دخولي التدريجي في الليتورجيا فكانت تجرب ة وعي كنسي. واكتشفت نفسي ككائ ن بشري وكامرأ ة في اتحاد مع والدة اإلله. إن هذه التجربة من االتصال والحب والعالقة والحوار مع مريم هي التي تشكل أساس حياتنا في روسيا. وعندما وصل ت إلى األقطار الغربية ال حظ ت وفقا لألوساط المسيحية التي كنت فيها أن مري م أم هللا كانت تشكل مفهوما صرفا جد ا ومثاليا وأحيانا يثير الخوف وغالبا ي قاب ل بالرفض. أما في بلدنا فإن ذلك مستحيل على اإلطالق ألن والدة اإلله "ثيوطوكوس" ليست بالنسبة إلينا مفهوما وال مثاال أعلى. إنها أقرب إلينا من أنفسنا إنها بالنسبة إلينا شخص حقيقي بل شخص كامل شخص يتجلى ويساعدنا على تحقيق تجلينا بالذات". المسبح ة )تاتيانا غورتشيفا حركة نساء ليننغراد( كان الموسيقار موزارت يصلي المسبحة تعبيرا عن شكره لنجاحاته العديدة وكان رنيه الينك René Laënnec الحائز على جائزة الطب والجراحة ومخترع السماعة الطبية يتلو أيضا المسبحة كل يوم. كذلك أوزانام أستاذ األدب المقارن في جامعة السوربون ومؤسس جمعية القديس منصور دي بول اعترف بالتأثير الحاسم للعالم الفيزيائي آمبير Ampère عليه عندما رآه يصلي المسبحة في كنيسة القديس استفانوس. كما أن المارشال فوش كان يتلو المسبحة كل يوم حتى في أيام المعارك الكبيرة كذلك فعل المارشال لوكلير إب ان الحرب العالمية األخيرة. لقد أو صت مري م العذراء في ظهوراتها األخيرة أن تتلى المسبحة. وفي مدينة لورد عام ۱٨٥٨ ظهرت ۱٨ مرة إلى برناديت وهي تمسك بالمسبحة الوردية في يديها. وفي مدينة فاطمة عام ۱٩۱٩ أطلقت على نفسها تسمية "سيدة الوردية".

23 )انظر في الملحق تاريخ المسبحة الوردية والمسبحة العادية( 23 أيتها العذراء الطاهرة التي ستلدين جميع أبناء هللا إلى النعمة والمجد تكر مي باستقبالنا في أحضانك الوالدية وبتكويننا في داخلك حتى نصبح شبيهين بيسوع.

24 24 العذراء عند الظهيرة نشعر أحيانا بحاجة إلى االلتفات نحو مريم لمجرد التمتع بالنظر إليها وتحيتها واإلعجاب بها والقول إنها أم رائعة مباركة بين جميع نساء األرض. وهذا ما فعله الكاتب بول كلوديل في إحدى قصائده التي ننقلها في السطور التالية: إنه الظهر. أرى الكنيسة مفتوحة وعل ي أن أدخل. يا أم يسوع المسيح لم آت ألصلي. ليس لدي ما أقد مه أو ما أطلبه أتيت فقط أيتها األم ألنظر إليك ألنظر إليك فأبكي من السعادة وأدرك أني اب نك وأنك هنا. أتيت لفترة وجيزة فقط بينما كل شيء يتوقف. إنه الظهر وأنا برفقتك يا مريم في هذا المكان الذي أنت فيه. لن أقول شيئا بل أنظر إلى وجهك وأترك قلبي يغني بلغته الخاصة. لن أقول شيئا إن ما أغني فقط ألن قلبي ممتلئ جدا مثل الشحرور الذي يتابع فكرته مغردا ما يشبه مقاطع غنائية عفوية. أنت الجميلة الطاهرة أنت المرأة التي اس تعيدت مكان تها بالنعمة. أنت الخليقة في مكانتها األولى وفي انفتاحها الكامل كما خر جت من هللا في صباح روعتها األصلية. أنت البريئة الفائقة الوصف ألنك أم يسو ع المسيح الذي هو الحقيقة بين يديك والرجاء الوحيد والثمرة الفريدة. ألنك المرأ ة وجن ة عدن للحنان القديم المنسي وصاحب ة النظرة التي تصيب القلب فجأة فتجعل الدموع تنهمر. أل كن أنقذتني وأنقذت بالدي التي كانت بالنسبة إليك أمرا في البال كما أنا في بالك. أل كن في الوقت الذي ت حطم فيه كل شيء ت د خلت منقذة بالدي مرة أخرى. ألنها فترة الظهيرة وألننا في نهار هذا اليوم. ألنك هنا إلى األبد ولمجرد كونك "مريم" ولمجرد وجودك. نشكر ك يا أ م يسوع المسيح! )بول كلوديل أصغي يا ابنتي(

25 25 الفصل الثالث الممتلئة نعمة )افرحي يا ممتلئة نعمة... لوقا ۱/۲٨( لنمي ز بين الفكرتين التاليتين: الحبل البتولي بالمسيح: هذه الواقعة تتمث ل في كون مريم حبلت بيسوع دون أن تقيم عالقة جنسية مع خطيبها يوسف. وقد ورد ذلك في إنجيل متى )۱/۱٨-۲٥( وفي إنجيل لوقا )۱/۲٥-۳٨(. ي حتفل بهذا السر في الخامس والعشرين من آذار يوم عيد البشارة وهي عقيدة آمن ت بها الكنيسة منذ نشأتها. الحبل بال دنس بمريم: وهو إنعام أعطي لمريم أ م هللا يؤك د أن مريم بريئة من كل خطيئة بما في ذلك الخطيئة األصلية منذ اللحظة التي حبلت بها أمها. وي حتف ل بهذا السر في الثامن أو التاسع من كانون األول عيد الحبل بال دنس. وهذه العقيدة أعلنها البابا بيوس التاسع في قراره البابوي الصادر بتاريخ ٨ كانون األول ۱٨٥٤: "الحبل بمريم العذراء بدون وصمة الخطيئة األصلية". * * * إن الحبل بال دنس بمريم العذراء حقيقة لم تعها الكنيسة إال تدريجيا إنه توكيد انطلق من القاعدة إن صح القول. فالشعب المسيحي من فرط تالوته للسالم المالئكي وتكراره لعبارة: "السالم عليك يا مريم يا ممتلئة نعمة" انتهى إلى االعتقاد بأن "االمتالء بالنعمة" المذكور يتفق مع القداسة االستثنائية و نفي أية خطيئة. إال أن الالهوتيين لم يلبثوا أن أبدوا قلقهم: أليس من مغاالة في هذه التقوى الشعبية وما دامت الكتب المقدسة تبين صراحة أن يسوع هو مخلص البشرية برم تها فهل يعقل أن تكون مريم قد أفلتت من لسعة الخطيئة التي شملت الخليقة بأسرها لم يتجرأ كل من القديس برنار في القرن الثاني عشر والقديس األكويني في القرن الالحق إعالن ذلك برغم تعبدهما القو ي للعذراء. في نهاية القرن الثالث عشر ولحسن الحظ استطاع الالهوتي الفرنسيسكاني "دونس سكوت" أن يجد نقطة التمييز التي تتيح التوفيق بين الحبل بال دنس بمريم وخالص العالم الشامل بالمسيح. فقد جاء في تفسيره أن خالص مريم قد تم فعال مثل خالصنا من قبل المسيح إال أنه لم يكن خال صها من الخطيئة بل حفاظا عليها منها أي أن مريم لم تفلت من عملية خالصنا التي أنجزها المسيح بآالمه وقيامته بل كانت أكبر مستفيدة منها. ترس خت هذه الفكرة شيئا فشيئا في أذهان الالهوتيين إلى أن رسخت في الشعب المسيحي بأسره حتى إ ن البابا بيوس التاسع أعلن رسمي ا بتاريخ ٨ كانون األول ۱٨٥٤ عقيدة الحبل بال دنس بالعذراء مريم. أوال : إنعام مدهش طاهرة! بدون أدنى خطيئة! هناك عناء لم تعرفه مري م قط هو مخالفة ضميرها والتغافل عن إلهام الروح القدس. لم تقع مريم أبدا مثلما نقع نحن في مأزق الخيار بين الخير الذي نريد ص ن عه والش ر الذي يغرينا )رومة ۱٥/٩(. وهذا ال يعني أن الميل إلى عصيان مشيئة هللا لم يساورها قط إذ إنها كانت تتمتع بحرية كاملة شأنها شأن يسوع. ولكن بما أنها لم تتأثر بعواقب الخطيئة األصلية فلم تكن لحريتها تلك السهولة الرهيبة - التي لنا - الرتكاب أعمال الشر... تلك السهولة بعيدا عن كونها اكتماال لحريتنا هي جرح.

26 26 لذلك استطاعت مريم بفضل هذا اإلنعام كما استطاع يسوع أن ت نجز في ك ل لحظة مشيئة اآلب "بكل قلبها وكل ذهنها وكل قواها". ثاني ا: تواضع ال مثيل له ال تشعر مريم وهي في السماء بأي "إحساس من التفوق" إزا ءنا! فهي تعلم تماما أن هذا اإلنعام منح لها دون استحقاق مسبق من طرفها. فقد أعطاها هللا إياه مجانا نظرا إلى الدور الخارق المخص ص لها والذي يتمثل في إعطاء جسد البن هللا اآلب أي حمله في أحشائها مدة تسعة أشهر وإرضاعه بحليبها وتمكينه باالشتراك مع يوسف من أن ينمو في جميع المجاالت "في الحكمة والقامة والحظوة" عند هللا والناس )لوقا ٥۲/۲(. من الخطإ إذا االعتقاد بأن مريم استحقت أن تكون أ م هللا بسبب تواضعها. ففي نشيد مريم )تعظم نفسي الرب( شكرت هللا "ألنه عطف على أمته الحقيرة". لم ت د ع أنه تم اختيارها "بسبب" حقارتها وأنها "استحقت" بفضل تواضعها أن تستجلب إليها النظرة اإللهية. بل بالعكس اختيرت بدون استحقاق لتكون أم هللا وتلقت كجائزة وكهدية أولى قدرا من التواضع ال يضاهى هي أها لمهمتها القادمة وأتاح لها أن تتلقى من دون تكبر سائر نع م حياتها. هل كانت مريم تعي صراحة قداستها االستثنائية ال يوجد ما يسمح بتأكيد ذلك ولكن يمكن االعتقاد أنها اقتنعت بالطابع المجاني لكل ما منحها هللا من عطايا حتى إن ها قاومت باستمرار تجربة التبجح بذلك ولو بأبسط ما يكون. أليست هذه هي الطريقة المناسبة التي نستطيع أن نقاوم بها نزعة التباهي بمواهبنا إن أفضل واق من الكبرياء إن ما هو فعل الشكر! ثالثا : إنعام ال يبعد مري م عنا إن طهارة مريم الفريدة ال تفصلها عنا بل تتيح لها االقتراب منا بقدر أكبر. رب قائل يقول إن ه يجب لكي نفهم الشخص أن نكون قد اختبرنا تجاربه نفسها وأن نكون قد ارتكبنا حماقاته عينها إلخ... لكن هذا القو ل غير أكيد إطالقا فال ضرورة مثال ألن نتعاطى الفسق لنفهم المومسات كما نالحظ في العديد من األحيان أن التفاهم رائع بين األجداد وأحفادهم رغم انعدام خبرة النضوج عند األحفاد. فالقلب هو الذي يفهم! وكل ما ازداد القلب طهارة ارتعش ألفراح اآلخرين وأحزانهم. ونذكر هنا ما قاله الكاتب جورج برنانوس في صفحة شهيرة من كتابه بع نوان "يوميات كاهن ريفي": بما أن أ منا مري م أصغ ر سنا من الخطيئة فإنها المرأة الوحيدة القادرة على أن تفهمنا كلي ا فتشفق علينا شفقة تفوق الحد دون أية ذرة من الغرور! وال تنسى مريم بطبيعة الحال أن ها تنتمي إلى ساللتنا ساللة الخطأة المساكين وأ نها ح فظت من الشر "ألجلنا وألجل خالصنا". وكما جاء بوضوح في دستور الكنيسة في وثيقة مجمع الفاتيكان الثاني "لقد تم افتداء مريم بصورة بارزة نظرا إلى استحقاقات ابنها" )نور العالم الفقرة ٥۳(. نعم تم افتداؤها تماما برحمة هللا مثلنا ال بل أكثر منا! رابع ا: قداسة تبشر بالمجد اآلتي للكنيسة كلها كلنا مدعوون إلى أن نصبح نحن أيضا في السماء "قديسين وبال عيب" في حضور الرب )أفسس ۱/٤(. ونحن لم نحظ بهذا اإلنعام مثل مريم منذ اللحظة األولى من حياتنا بل سنصبح هكذا كليا أي أعضا ء كاملين في كنيسة تكون قد أضحت "س ني ة ال شائبة فيها وال تغضن وال ما أشبه ذلك بل مقد سة بال عيب" )أفسس ۲٩/٥(. وعلى غرار مريم سنشعر بفرحة الغوص في محيط الحنان اإللهي الالمحدود سنشعر بأننا محاطون بحب ال مثيل له. وسنتغنى مع مريم وإلى األبد برحمة الرب الالمتناهية. ولن نتوقف عن شكره ألنه صان مريم

27 من كل خطيئة وهي بدورها لن تتوقف عن تسبيحه النشيد ذاته الذي أنشدته مريم: تعظم نفسي الرب! 27 وحمده ألنه شفانا نهائي ا من كل خطايانا. وسننشد خامس ا : أم نعجب بها منذ اليوم واآلن نستطيع ويجب علينا أن نتأمل جمال مريم الخارق وقد سبقنا إلى ذلك عدد ال يحصى من المسيحيين فكان التحول العجيب في حياتهم. كانت مريم في غاية البساطة )كلمة "بساطة" بالفرنسية مشتقة من اللغة الالتينية حيث تعني: بدون طي ة(. لم تكن منغلقة على نفسها إطالقا بل كانت ملتفتة كلي ا نحو هللا ونحو اآلخرين ملؤها الرغبة في إرضاء هللا ومتنبهة إلى تلبية حاجات إخوتها وهذا ما رأيناه في قانا الجليل ومع أليصابات. من المعروف أن الطفل الذي ينظر إلى أمه باستمرار يصبح شبيها بها في النهاية. وهكذا إن أجيال المسيحيين الذين كانوا يتلون مسبحتهم الوردية ويتأملون سيدتنا مريم في أسرار الفرح واأللم والمجد التي عاشتها مريم أصبحوا في النهاية يشبهون والدتهم السماوية دون أن يشعروا بذلك. وليس من الضروري بطبيعة الحال أن نتأمل في مرحلة من مراحل حياة مريم لنستفيد من تالوة مسبحتها بل يكفي أن نردد بال كلل أنها "ممتلئة نعمة!" وأن ننظر إليها قائلين لها ما قاله الكاتب كلوديل في قصيدته المشهورة: ألنك هنا لألبد ولمجرد كونك "مريم" ولمجرد وجودك إليك الشكر يا أ م يسو ع المسيح! * للحوار في الفرقة: ۱- خالفا لمريم التي نالت منذ بدء حياتها "قدرا كبيرا من التواضع - مما يشكل عنصرا أساسي ا من الحبل بال دنس - نحن جميعا وإلى حد ما أشخاص متكبرون في طريقنا إلى االهتداء. هذه هي التجربة األساسية عند كل خليقة تجربة نستسلم إليها في أغلب األحيان. فهل نحن مقتنعون بأن هذه المعركة ضد الكبرياء هي المعركة الحاسمة الواجب خوضها ۲- كيف يمكن لمثال مريم ولوجودها أن يساعدانا نحن "الخطأة المساكين" على المض ي ق دما في طريق التواضع * للحوار بين الزوجين: ۱- إننا مدعوان زوجا وزوجة إلى القداسة قداسة أشخاص متز وجين يجابهون عددا من المصاعب قداسة "خطأة مساكين" يريد يسوع أن يخلصهم. كيف يستطيع كل منا الزوج والزوجة أن يساعد اآلخر في تلك المسيرة نحو القداسة هل نطلب مساعدة اآلخرين بما فيه الكفاية وهل نطلب مساعدة الفرقة ۲- هل نتضرع بما فيه الكفاية إلى العذراء الطاهرة لنحصل بواسطتها على نعمة التواضع صالة الجتماع الفرقة: )إنجيل لوقا ۱/۲٥-۳٨( أرسل هللا المال ك جبرائيل إلى مدينة في الجليل تدعى الناصرة إلى عذرا ء مخطوب ة لرجل من بيت داود اسمه يوسف واسم العذراء مريم فدخل إليها فقال: "السالم عليك أيتها الممتلئة نعمة الرب معك". فاضطربت لهذا الكالم وقالت في نفسها: "ما معنى هذا السالم " فقال لها المالك: "يا مريم ال تخافي قد نلت حظوة عند هللا. فستحملين وتلدين ابن ا تسمينه يسوع فيكون عظيم ا وابن العلي يدعى ويوليه هللا ربنا عر ش أبيه داود ويملك على بيت يعقوب أبد الدهر ولن يكون لملكه انقضاء". فقالت مريم للمالك: "أن ى يكون هذا وال أعرف رجال "

28 28 فأجابها المالك: "إن الروح القدس يحل عليك وقدرة العلي تظل لك لذلك يكون المولود قدوس ا واب ن هللا يدعى. وإن نسيبتك أليصابا ت قد حبلت هي أيض ا باب ن في شيخوختها وهذا هو الشهر السادس لتلك التي كانت تدعى عاقر ا. فما من شيء يعجز هللا". فقالت مريم: "أنا أم ة ال رب فليكن لي كما قلت". وانصرف المالك من عندها. أي تها السيدة يا سيدة الشفافية هللا يكلمنا فيك ومن خاللك. امنحينا قلبا بسيطا املئينا سرورا. يا عذراء ال" ن عم" و"تعظم نفسي الرب" اجعلي قلوبنا شفافة مثل قلبك. يا سيدة التواضع المتسترة بين الجماهير والمحاطة بالسر ساعدينا على أن ننقل البشرى إلى العالم وأن نغوص في سر المسيح لنحمل منه شيئا إلى إخوتنا. يا سيدة الوفاء أنت التي ما فت ئت "تبحث عن وجه الرب" أنت التي رضي ت بالسر وتأملته في قلبها أنت التي عاشت في وفاق وانسجام مع ما تؤمن به أنت التي كنت مثا ل الثبات في الشدائد ساعدينا على الوفاء بالتزاماتنا كخدام صالحين أمناء حتى آخر يوم من حياتنا على األرض. "يوحنا بولس الثاني" هذه الفقرات الثالث هي ترجمة على شكل صالة لعدة تأمالت ليوحنا بولس الثاني. أوال تأمل حول شفافية قلب مريم )بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة برناديت سوبيرو(. ثم تأمل حول تواضع مريم )في العظة الملقاة في معبد سيدة الناصرة في مدينة بيليم في البرازيل في شهر تموز ۱٩٨۰(. وأخيرا تأمل حول الوفاء وهو موضوع آخر يهتم به بشكل خاص يوحنا بولس الثاني قد عرضه في العظة التي ألقاها بتاريخ ۲٩ كانون الثاني ۱٩٩٩ في كنيسة سيدة غوادلوب )المكسيك(. )مجلة "الصالة" عدد حزيران ۱٩٨۱( نصوص العذراء أصغر سن ا من الخطيئة ابتكر الكاتب جورج برنانوس )۱٨٨٨-۱٩٤٨( أشخاصا يساهمون في سر المسيح "االحتضار اإللهي" ومنهم الكاهن الريفي البسيط الفقير األصل والذي تجاوزته رعيته حيث كان يشع عطاء هللا متخطيا نفسه. أصيب بمرض السل فدعاه كاهن "تورسي" إلى أن يتضرع إلى العذراء وينظر إليها. - هل تتضرع إلى مريم العذراء - يا له من سؤال! - الناس يقولون ذلك... ولكن هل تصلي إليها كما يجب وبشكل جيد إنها أمنا هذا أمر معروف إنها أم الجنس البشري حوا ء الجديدة لكنها ابنته أيضا وقد هدهدها العال م القديم العال م المتألم عال م ما قبل النعمة هدهدها لمدة طويلة على قلبه الحزين - قرونا طويلة- في انتظار غامض وغير مفهوم للعذراء... بقي قرونا طويلة يحمي بيديه القديمتين المثقلتين بالجرائم تلك الفتاة الصغيرة الرائعة التي لم يعرف حتى اسمها فتاة صغيرة ملك ة المالئكة... وبقيت كذلك ال تنس! وشعوب القرون الوسطى فه مت ك ل شيء )... ) لم تحصل القديسة العذراء ال على انتصار وال على أعجوبة. ولم يسمح اب نها بأن يلمسها المجد البشري حتى بطرف جناحه. لم يحي أحد أو يتألم أو يمت بمثل تلك البساطة وبمثل ذلك الجهل العميق لكرامتها الخاصة بها علما بأن كرامتها تضعها فوق المالئكة ذلك ألنها كانت بدون خطيئة. يا لها من عزلة غريبة!... كانت نبعا صافيا نقيا حتى إنها لم تستطع أن تعكس في مياهه صورتها بالذات صورتها المخصصة

29 29 لفرحة اآلب دون سواه... يا لها من عزلة مقدسة! الشياطين القدماء الذي ألف هم اإلنسان واألسياد والخدم معا والشيوخ الرهيبون الذين قادوا آدم في أول خطاه إلى عتبة العالم الملعون والمكر والكبرياء إنك ترى هؤالء كلهم ينظرون من ب عد إلى تلك المخلوقة األعجوبة البعيدة عن متناول أياديهم المنيعة من دون سالح. بالطبع إن جنسنا البشري الهزيل ليست له قيمة تذكر لكنه يتأثر دائما بالطفولة ويجعله جه ل الصغار يغض نظر عينه التي تميز بين الخير والشر عينه التي شاهدت الكثير والكثير من األشياء! إال أن القضية ليست سوى قضية الجهل. والعذراء كانت البراءة. هل تدرك ما نمثل بالنسبة إليها نحن الجنس البشري بالطبع إنها تكره الخطيئة بيد أنها لم تختبرها قط في حين إن كبار القديسين لم تنقصهم التجربة بهذا الصدد حتى فرنسيس األسيزي نفسه رغم كونه مالئكيا. إن نظرة مريم إلينا هي نظرة طفل إنها نظرة فريدة من نوعها ولم ي لق أحد مثلها على عارنا وعلى تعاستنا. نعم يا صغيري إذا أردت أن تتضرع إلى مريم كما يجب عليك أن تشعر بتلك النظرة الملقاة عليك وهي ليست تماما نظرة تسامح - ألن التسامح يكون دائما مرفقا ببعض التجارب المريرة - إنها نظرة رأفة حنونة نظرة دهشة متألمة إنها أيضا شعور ال يمكن تصوره أو وصفه يجعل مريم أصغر من الخطيئة وأصغر من العرق الذي تنحدر منه وأصغر كائنات الجنس البشري رغم كونها أم ا بالنعمة وأم النعم. )جورج برنانوس- يوميات كاهن ريفي( Georges Bernanos, Journal d un curé de campagne, P مريم حفظت من الخطيئة )أخذ "لوثر" طيلة حياته )۱٤٨۳-۱٥٥٥( بالمعطيات العقائدي ة المعمول بها في كنيسة عصره حول مريم وله العديد من العظات عنها ومنها العظة التي ألقاها عام ۱٥۱٩ والتي أعلن فيها إيمانه بالحبل بالعذراء بال دنس(. ي عتقد بكل تقوى أن الحبل بمريم أي بث الروح فيها قد تم بدون أية خطيئة ألنه عند حصول ذلك تم تطهيرها من الخطيئة األصلية وتزيينها بعطايا هللا كي تتلقى الروح القدس المبثوث فيها. وهكذا وفي اللحظة ذاتها التي بدأت فيها حياتها الشخصية كانت بدون أية خطيئة. وهذا ما عبر عنه المالك جبرائيل عندما خاطبها )لوقا ۱/۲٨ حسب الترجمة السبعينية للكتاب المقدس( قائال : "مباركة أنت بين النساء" لم يكن بإمكانه أن يقول لها : "مباركة أنت" لو كانت واقعة تحت اللعنة. فمن الصواب والعدل إذا أن ت حفظ مريم بدون خطيئة وهي التي سيحمل جس دها المسي ح الذي سيتغلب على كل خطيئة. )مارتن لوثر العظة حول الحبل بمريم( (M. Luther, Sermon sur la conception de Marie, P ) العقيدة المريمية لألب كولب : الطاهرة أيقونة الروح القدس لم يذهب األب ماكسيمليان كولب إلى لورد سوى مرة واحدة وذلك في ۳۰ كانون الثاني ۱٩۳۰ ليطلب إلى مريم أن تبارك رحلته إلى الشرق األقصى. وكان يرغب في الذهاب إلى هناك منذ أمد طويل ليشكر العذراء التي شفته من إصابة كانت ستحول دون دخوله الكهنوت إذ كان األطباء قد قرروا بتر إبهام يده اليمنى عام ۱٩۱٤ فشفي بأعجوبة بعد أن غسل إبهامه بمياه من "لورد". ب يد أ نه لم ينتظر حتى سنة ۱٩۳۰ ليكرم مريم الطاهرة. ففي السادس عشر من تشرين األول ۱٩۱٩ وقبل رسامته كاهنا ببضعة أشهر جثا راكعا أمام مذبحها ونذر نفسه لها مع ستة إكليركيين فرنسيسكانيين آخرين. وفي شهر كانون الثاني ۱٩۲۲ نشر العدد األول من مجلة "فارس مريم الطاهرة" التي نالت رواجا هائال حتى إنها صدرت في اليابان عام ۱٩۳۰. وأخذ يفكر طيلة حياته - وكان قد س م ي مجنون السيدة - في سر الحبل بمريم بال دنس وفي كيفية ظهور مريم لبرناديت بتاريخ ۲٥ آذار ۱٨٥٨. وها هو يتساءل: لماذا لم تقل العذراء وقد يكون ذلك أقرب إلى المنطق: "أنا بال دنس منذ أن حملتني أمي"! ولماذا عرفت عن نفسها بقولها: "أنا الحبل بال دنس"

30 30 السبب بسيط فهناك ارتباط وثيق بين مريم والروح القدس ارتباط قوي إذ وصفت العذرا ء نف سها ذلك اليوم في "لورد" بما يستطيع الروح القدس أن يصف نف سه به إلى األبد. واستطرد األب كولب يقول: في ك نه حياة الثالوث األقدس اآلب ال ينقطع عن والدة ابنه واالبن هو المولود منذ األزل والروح القدس هو "ثمرة حب اآلب واالبن" إنها والدة أزلية غير مخلوقة. بعبارة أخرى إذا كان االبن مولودا من اآلب فالروح القدس إنما هو الحب الذي يلد به اآلب ابنه وهو "أحشاء األم" التي ال يتوقف بها عن ح به وعن والدته ذلك ألن ه قبل إنجاب الكائن "ووالدته" يجب "حمل ه" في القلب و"حم ل" حب عظيم نحوه. لكن الروح هو أيضا الحب الذي ال يفتأ االبن "يكنه" هلل اآلب. كولب إذا محق تماما في قوله إ ن الروح هو "الح مل المتدفق حبا" في هللا. إ نه تدف ق الح ب الذي ينجب به اآل ب اب نه ويعود به االبن نحو أبيه. وتابع األب كولب قوله: إن مريم هي الخليقة التي استطاع بها الروح القدس أن يظهر ك ل ما هو قادر عليه إن ها التحفة التي صنعها حتى إنها استطاعت أن تعرف نفسها إلى برناديت قائلة: "أنا الحبل بال دنس". كتب األب كولب كل ما تقدم بتاريخ ۱٩ شباط ۱٩٤۱ قبل اعتقاله ببضع ساعات في بلدة نيبوكاالنوف كما لو كان يريد ترك وصية مريمية. ولم يسبق له قط أن تكلم بمثل هذا الوضوح عن العالقة بين الروح القدس ومريم الطاهرة. بيد أنه كان طوال حياته يكثر من التشبيهات ليوحي بأ ن ثمة اتحادا حميما بين الروح القدس ومريم فهي عروسه وأداته وأمته وهيكله وشبه تجسيده أي الخليقة التي يتجلى فيها الروح القدس على أفضل وجه. وكان أيضا بإمكان األب كولب أن يصفها بأنها أيقونة الروح القدس وتجليه. وإذا ما نظرنا مليا إلى مريم ندرك بصورة أفضل أن حنان هللا نحونا يتصف بشيء من حنان األم. كما أك د ذلك العديد من مقاطع العهد القديم: "ت رض عون وفي الحضن ت حم لون وعلى الركبتين ت دل لون. كمن تعز يه أمه كذلك أعز يكم أنا" )أشعيا ۱۲/٥٥ و ۱۳ (. "كن أبا لليتامى وبمنزلة زوج ألمهم" )ابن سيراخ ٤/۱۰(. "أكون لهم كمن يرفع النير عن فكوكهم" )هوشع ۱۱/٤(. وقال أيضا األب كولب بإلحاح: بما أن مريم الطاهرة هي كمال أيقونة هذا الحنان دعونا نتأملها ونتم تع بحبها الذي هو حب أم. وإذا فعلنا ذلك فإن حنان الروح القدس هو الذي سيحيط بنا ويمألنا ويحو لنا. ومريم ليست أيقونة الروح القدس فحسب بل هي معاونته المميزة و"عروسه" و"أمته" أيضا. عندما أعلن يوحنا بولس الثاني األب كولب قديسا بتاريخ ۱۰ تشرين األول ۱٩٨۲ لم ي لزمنا بأن نتبنى جميع صيغ هذا الشهيد البولوني العظيم الذي توف ي في معسكر اعتقال "أوسويتش" في الرابع عشر من شهر آب ۱٩٤۱ بعد أن ع رض نف سه ل يحل مح ل ر ب عائلة ح كم عليه مع عدة سجناء في نطاق عملية ثأر بالتضور جوعا حتى الموت في زنزانة الجوع. إال أن نا سنجني فائدة كبيرة من اإلمعان بعقيدته علما بأن ه كان يحلم بتأسيس أكاديمية مريمي ة للتعمق في سر العذراء الطاهرة المنز هة عن الدنس. من أقوال المطران فولتون شين: مريم عذراء وأم إنها اللحن الوحيد الذي ينبع من كمان الكون من دون أن ينقطع فيه وتر. * * *

31 31 السيدة كلمة "سيدتنا" تنطبق على مريم العذراء مثلما تنطبق كلمة "سيدنا" على المسيح. وقد بوشر باستعمالها عندما راجت التقوى نحو مريم إبان العصور الوسطى بالتحديد وبدءا من القرن الثاني عشر في نطاق تقاليد األدب الغربي الذي يفرض على الفارس إجالل "السيدة العذراء". وتكريم القديس برنار دس للعذراء هو نموذج حي لتلك التقوى. وفي ليلة عيد الميالد من عام ۱٩٤٨ ومن كاتدرائية السيدة )نوتردام( في باريس وقبل بث أول قداس إلهي بواسطة التلفزيون عر ضت صورة هذا التمثال على الشاشة. كان األب الدومينيكي "بيشار" المشرف على هذا البث قد اقترح أن تطلق على التمثال المذكور تسمية "ماري ميديا" وأن يوضع على أجهزة التلفزيون بحيث يساعد المسيحيين على مشاهدة البرامج في إشراقة ابتسامة مريم. إن الرسامين والنحاتين في القرن الرابع عشر خالفا لرسامي األيقونات أقدموا على تمثيل العذراء وهي تبتسم فخورة بطفلها وبتواضع تام. ليست مريم سوى أمة الرب الحقيقة التي اختيرت من دون أي استحقاق لتعطي هللا وجها بشر يا * * *

32 32 افرحي يا عروسة ال عروس لها ات خذت المدائح الموج هة إلى مريم لدى البيزنطيين شكلها األوسع في النشيد الشهير المسمى "أكاثستوس" )أي الذي ال يجلس فيه( والذي يتلوه المؤمنون بكامله وهم واقفون في يوم الجمعة من األسبوع الخامس للصوم الكبير. ونحن نجهل مؤلفه وتاريخ نظمه على وجه التحديد )القرن السابع والثامن( وهو يتألف من ۲٤ بيتا منها ۱۲ مكر سة لطفولة يسوع و ۱۲ ألسرار التجسد. إن كلمة "افرحي" تطابق تماما التحية التي وجهها المالك جبرائيل إلى مريم يوم البشارة ويستهل أيضا النشيد المذكور بذات الكلمة: "افرحي يا من بها ي شرق الفرح". هناك أيضا عبارة أخرى تلفت النظر هي "يا عروسة ال عروس لها". إنها طريقة للتعبير عن األمومة الخاصة لمريم بعد انقضاء بضع عشرات من السنين على المجمع الذي أعطاها لقب "والدة اإلله". وفي هذا النشيد كله يتم تعظيم مريم ال ألجلها بالذات بل ألجل عالقتها بالمسيح المتأنس: افرحي يا أم الح م ل والراعي! افرحي يا فم الرسل الذي ال يصمت افرحي يا حظيرة لألغنام الناطقة افرحي يا جرأة ال تغلب للظافرين في الجهاد افرحي يا سالح ا لص د األعداء غير المنظورين افرحي يا سند ا وطيد ا لإليمان افرحي يا مفتاح أبواب الفردوس افرحي يا سمة للنعمة بهي ة افرحي ألن ما في السماء يبتهج مع األرض افرحي يا من عر ي ت بها الجحيم افرحي ألن ما على األرض يطرب مع السماوات افرحي يا من ألبسنا بها المجد افرحي يا عروسة ال عروس لها! )صالة المدائح- البيت السابع تسبحة الرعاة(

33 33 الفصل الرابع العذراء مريم "ال تخف أن تجيء بامرأتك مريم إلى بيتك. إن الذي تحمله هو من الروح القدس" )متى ۲۰/۱(. يتضم ن اإلنجيل مقطعين يرويان لنا كل بطريقته أن مريم حبلت بطفلها دون أن تقيم عالقة جنسية مع يوسف )متى ۱/۱٨-۲٥ ولوقا ۲/۲٥-۳٨(. أثارت هاتان اآليتان سخرية الوثنيين واليهود وحتى بعض المسيحيين. إال أن الكنيسة لم تكترث وردت على الفور بقولها إن هذا الحبل البتولي بالمسيح إن ما هو من المعطيات األساسية إليمانها. وقد أك د إغناطيوس اإلنطاكي في الرسالة التي كتبها إلى كنيسة إزمير في السنوات األولى من القرن الثاني "أن إلهنا يسوع المسيح و لد حقا من عذراء". هذه الحقيقة التي تعرضت للطعن منذ البداية أصبحت بسرعة عقيدة إيمانية وأعلنت رسمي ا في مختلف قوانين إيمان الكنيسة وال سي ما في ما ي سم ى "بقانون الرسل" وفي قانون اإليمان الذي أقر ه مجمع نيقية عام ۳۲٥ حيث جاء: "تجس د من الروح القدس ومن مريم العذراء". وأخذ الشعب المسيحي يرتل بطمأنينة هذه الجملة من قانون اإليمان مد ة قرون. ولكن في نهاية القرن التاسع عشر ظهرت المنازعة مجددا إذ أبدت بعض كنائس اإلصالح شك ها في صحة الحبل البتولي ثم انتقلت المنازعة إلى الكنيسة الكاثوليكية حوالي عام ۱٩٥۰. )نجد في الملحق رد الكنيسة على االعتراضات القديمة والحديثة( إال أن ذلك لم يمنع الكنيسة من االستمرار في اعتبار تلك الحقيقة عقيدة أساسي ة من قانون إيمانها. وتدعونا الكنيسة تجنبا للدهشة إلى أن ندرك مدى ارتباط هذا السر بمجمل البشرى اإلنجيلية وخاصة بسرها الرئيسي المتمثل في تجسد الكلمة )رسالة يوحنا األولى ٤/۲(. ذلك بأن الروح القدس يعطى لنا ال لنستطيع أن نؤمن متواضعين بحقائق الكتاب المقدس وحسب بل لنتمكن "نوعا ما" من فهمها أيضا فنستمتع بها ونعيشها بصورة أفضل. أوال : الطفل الذي حملته أمه وجد قبل والديه! لم يطلب أحد منا أن يولد وإن كنا موجودين في هذه الدنيا فألن أبوينا تبادال الحب ذات مساء بحنان. فكل منا هو ثمرة عناق جنسي سواء أكانت عملية حملنا مبرمجة قبل مدة طويلة ومرغوبا فيها أم مقبولة مجر د قبول. كان من الممكن إذا أال يكون لنا وجود أبدا بل يصيبنا أحيانا الدوار عندما نفكر في هذا األمر. ومع ذلك يؤكد المسيحيون بكل جرأة أنه وجد في التاريخ طفل أفلت من هذه القاعدة األساسية المالزمة للوضع البشري إذ في ليلة الميالد كان الطفل يسوع يرقد على تبن المذود. أم ا السبب فال يكمن في كون مريم ويوسف تجامعا قبل تسعة أشهر. و جد يسوع ألنه قرر بنفسه أن يأتي إلى األرض. فالمسيحيون يؤمنون بجسارة أن الطفل يسوع كان موجودا قبل أبويه ومنذ األزل. وقولنا هذا - بطريقة عابرة يبرز أن هذه العقيدة تتسم بطابع السرية أكثر بكثير من عقيدة حمل يسوع في أحشاء امرأة عذراء. يسوع ليس خليقة أنجبه والداه. إن ه كلمة هللا الذي به ي خل ق كل شيء باستمرار إ نه ابن هللا بالذات الذي جاء إلى األرض كي يخل صنا. يجدر بالمسيحيين الذين يصدمون بسر الحبل البتولي بيسوع أن يتأملوا أكثر في سر التجسد فال بد أن يدركوا في نهاية المطاف أن نتيجة هذا السر هي الحبل بيسوع بطريقة خارجة عن المألوف. وهناك ارتباط عميق بين سر الحمل البتولي وبين السر الذي يتصد ر البشرى اإلنجيلية وهو مجيء "عمانوئيل" )هللا معنا( إلى تاريخنا.

34 34 لو تم الحبل بيسوع نتيجة لعالقة جنسية بين مريم ويوسف لكان يسوع كائنا مخلوقا مثلنا "طفال ألحد الناس" جاء )كلمة هللا( وأحاط به وسكن فيه فال يعود ابن هللا الكائن قبل مجيئه إلى عالمنا. إن هذا التفكير الالهوتي كما يالحظ ال"ينفي" طابع السرية الذي يتصف به الحبل البتولي وال يحاول إثبات واقعة هذا الحبل. وإيماننا به إن ما هو مبني على نصوص الكتاب المقدس التي كانت موضوع تأويل الكنيسة منذ قرون عديدة. إن الفكر الالهوتي الجدير بهذه التسمية ال يحاول أن يجعل تعليم الكنيسة مطابقا للتيار العصري كأن ي صقل مثال إلى مجرد رموز جوانب من البشرى تبدو محيرة. كما أنه ال يحاول أن يستنتج من إحدى ثوابت الكتاب المقدس حقيقة أخرى عن طريق االستنباط المنطقي بل يسعى إلى إبراز التماسك العميق الذي يربط مختلف نصوص قانون اإليمان بعضها ببعض ويبين إن صح القول أن أفكار هللا منسجمة بعضها مع بعض في ما يصنعه. وذلك ال يعني أن الالهوت يقتصر على قلة من رجال الفكر الذين تروق لهم ممارسة التمييز الحاذق ويغالون في تدقيق األمور! فأبسط القديسين والقديسات أحبوا على م ر القرون هذا النوع من االعتبارات ألنها أتاحت لهم أن يستمتعوا مسبقا بقدر أكبر بالبشرى دون انتظار صعودهم إلى السماء. والمسيح نفسه قال للسامرية: "لو كنت تعرفين عطاء هللا!" )يوحنا ۱۰( ٤/ كما أن ه وعد تالميذه قبل أن يغادرهم قائال : "يرشدكم الروح إلى الحق كله" )يوحنا ۱۳/۱٥(. دعونا إذا ننقاد إلى إلهامات الروح القدس كي نستمتع نحن أيضا بسر الحبل البتولي فندرك أنه يبرز إن صح القول عالمة ثابتة لحقيقة إيمانية أساسية في جسد مريم: "الكلمة صار بشرا وسكن بيننا". ثاني ا: هللا أبرم عهد ا معنا! يشعر اليوم بعض المسيحيين بالحرج بسبب سر الحبل البتولي الذي يبدو لهم مناقضا لكل ما اكتشفوه أو أعادوا اكتشافه من حيث جمال االتصال الجنسي كتعبير قوي عن الحب الزوجي ومن حيث أهمية هذا االتصال في حياة الزوجين فيميلون على الفور إلى االعتقاد بأن هناك شيئا ناقصا في أسرة مريم ويوسف. وسنرى في الفصل الالحق خالفا لذلك كيف أنه يمكن للعائلة المقدسة أن تكون قدوة للمتزوجين كافة. فالعهد الزوجي الذي تم في الناصرة هو أهم بكثير من العهد الذي يحصل بين الرجل وزوجته إنه العهد الذي أبرم إلى األبد بين كلمة هللا وإنسانيته وهو اتحاد ال ت فصم عراه اكتمل في أحشاء مريم البتولية التي كانت "خدرا زوجيا" حقيقيا على حد قول آباء الكنيسة في وصفهم هذا العرس اإللهي. ويجدر بالمسيحيين بدال من حصر اهتمامهم بمسألة انعدام العالقات الجنسية بين مريم ويوسف في بيتهما الزوجي أن ي عجبوا بالعهد الخارق الذي أقامه ابن هللا نفسه يوم البشارة مع جسد ونفس مماثلين لجسدنا ونفسنا. إن أهم زواج حصل في الناصرة ليس زواج مريم ويوسف بل الزواج الذي تم في بطن مريم ذاتها. وقد وطد ابن هللا اتحاده بجسد يسوع ونفسه حتى إنه لم يستطع بعد ذلك القيام بأي شيء بدونهما. وارتباطه بهما هو من القوة بحيث أصبح يشكل وحدة معهما فجسد يسوع هو جسد ابن هللا ونفس يسوع هي نفس ابن هللا... عندما يتزوج الرجل والمرأة يبقيان شخصين اثنين رغم أنهما أصبحا واحدا. أما في اإلتحاد الزوجي بين ابن هللا وطبيعته اإلنسانية فالوحدة هي من القوة بحيث تتعدى كون شخصين يتحدان. صحيح أن في يسوع المسيح طبيعتين طبيعته اإللهية وطبيعته البشرية غير أنهما متحدتان في شخص واحد هو كيان شخص ابن هللا الوحيد. وهذا االتحاد نفسه ينسجم مع العهد الجديد واألزلي الذي يريد هللا أن يقيمه بواسطة ابنه مع كنيسته وعن طريقها مع البشرية جمعاء. إنه إذا عهد زوجي - وقد يبدو بمثابة زواج غير متكافئ!- ويعلم المسيحيون أنهم يشكلون أيقونته وعالمته.

35 35 أمام نا هنا أسرار تتجاوزنا تجاوزا كلي ا حتى لو كنا نردد في التراتيل الليتورجية المعاصرة أننا شعب العهد. نحن مدعوون إذا إلى التأمل في هذا العهد عندما نتأمل ملي ا في إنجيل عرس قانا الجليل. فعندما قبل يسوع الدعوة إلى هذا العرس مع تالميذه في مستهل عمله الرسولي أوضح بذلك أنه حقا العريس الذي جاء إلى األرض ليعقد مع البشرية "عهدا" جديدا وأبدي ا. وعندما نشترك في اإلفخارستيا يجدد المسيح مع كل منا عهدا زوجيا حقيقيا إذ يمنحنا جسده مثلما يهب الزوج نفسه إلى زوجته: "هذا هو جسدي المق دم من أجلكم". لذلك يهيئنا الكاهن إلى هذا اللقاء الزوجي بقوله: "طوبى للمدعوين إلى وليمة عرس الحمل" )رؤيا ۱٩/٩(. ومنذ عشرين قرنا ما فتئ الماليين من المسيحيين يبتهجون ألنهم تناولوا في صميمهم جسد إلههم على غرار مريم التي تناولته يوم حملته في حشاها البتولي. ثالثا : هللا يقترح علينا النموذج الكامل للبتولية المكر سة إن بتولية مريم هي فعال النموذج الذي ال يمكن تخطيه. عندما بشرها المالك أنها ستصبح أما أجابت بقولها إنها بتول: "كيف يكون هذا وال أعرف رجال " )لوقا ۱/۳٤(. إن معنى هذا الجواب واضح ويدل على حالة راهنة وهو يشبه قول الشخص الذي تق دم له سيكارة أو كأسا من الخمر فيجيب: "أنا ال أدخن" أو " أنا ال أشرب". إذا لقد أعربت مريم هنا عن عزمها وقرارها بأن تبقى عذراء. لقد اعترض بعضهم بالقول إن مفهوم البتولية ينطوي على مغالطة تاريخية. وقد وجدت البتولية لها سابقة لدى اليهود األسينيين إذ أشار الفيلسوف "فيلون" إلى وجود جماعة من "العذارى المسنات". أما مريم فإنها جددت معنى مثل هذا المشروع الحياتي فلم تلتزم بالعفة التي كان كهنة إسرائيل يتقيدون بها قبل االحتفال بشعائر العبادة والتي وسعت جماعة "قمران" تطبيقها ليشمل الحياة كلها بل كانت تهب ذاتها هلل وحده حصرا. وبسرعة أصبحت مريم بنظر المسيحيين "العذراء المثالية" )سيدة العذارى( وقدوة الذين واللواتي يختارون تكريس بتوليتهم للرب. وفي الرسالة األولى إلى أهل قورنتس )۳٩/٩( نرى أن حالة البتولية كانت رائجة كأمر طبيعي منذ ذلك الحين في أوساط الجماعات المسيحية. وقد ساهم مثال مريم كثيرا في احترام وممارسة البتولية المكرسة علما بأن هذا التكريس ليس عدوال عن األبوة واألمومة فحسب بل هو أيضا انفتاح على شكل آخر من الخصوبة. وإذا تأمل المسيحيون في سر مريم سيفهمون بقدر أفضل قول يسوع المسيح المدهش الذي جاء فيه: "وفي الخصيان من خصوا أنفسهم من أجل ملكوت السماوات. فمن استطاع أن يفهم فليفهم!" )متى ۱۲/۱٩ (. ونشير هنا بشكل عرضي إلى روح المداعبة لدى هللا... كيف ه يأ مريم لتكون أما لعائلة كبيرة الجواب: بأن وضع أوال في قلبها الرغبة في البقاء عذراء فعدلت عن كل أمومة كي تتفرغ كليا للرب. وهي رغبة تدعو إلى االستغراب في حقبة كان حلم كل فتاة يهودية فيها أن تنجب عديدا من األوالد! تلك هي الطريقة المبتكرة التي هيأ بها هللا مريم لتصبح أمنا. نعيد أخيرا إلى األذهان أن هللا أعطانا بأمومة مريم البتولية أيقونة رائعة ألبو ته بالذات. وكثيرا ما تحتفل الليتورجيا الشرقية بمريم بالعبارة اآلتية: "أنجبت بدون أب االبن المولود من اآلب منذ األزل بدون أم!".

36 36 * للحوار في الفرقة: ۱- هل فهمنا بقدر أفضل في ضوء قراءتنا لهذا الفصل أن هللا ال يطلب منا أن "نبتلع" حقيقة إيمانية من دون فهم بل يحق لنا أن نستمتع بطعمها بعض الشيء عن طريق مالحظتنا للعالقة التي تربطها بمجموع الحقائق المسيحي ة ۲- أقدم القديس بولس في مقطع طويل من رسالته األولى إلى أهل قورنتس )٩/٩-٤۰( على تأكيد قيمة البتولية )العف ة( الرفيعة المكر سة للرب. فهل ن قدر وبكل بساطة مع افتخارنا بالدعوة إلى الزواج قيمة الدعوة إلى العزوبة المكر سة ۳- ربما فوجئنا في مشاريعنا "بزيارة مرتجلة" من هللا فهل ساعدنا مثال مريم على أن نجيب إلى طلب الرب كما فعلت: "أنا أمة الرب فليكن لي كما قلت" النظرة التي ننظرها إلى * للحوار بين الزوجين: ۱- هل نؤمن بكل جرأة مثلما فعلت مريم بأن "ال شيء يستحيل على هللا" ۲- كيف نستطيع أن نعيش هذا اإليمان بقدر أكبر في حياتنا الزوجية وفي أوالدنا وفي نظرتنا إلى الكنيسة والعالم صالة الجتماع الفرقة )متى )23-41 /4 أما ميالد يسوع المسيح فهذا خبره: لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف وجدت قبل أن يتساكنا حامال من الروح القدس. وكان يوسف زوجها بار ا فلم يرد أن يشهر أمرها فعزم على تركها سر ا. وما فكر في ذلك حتى تراءى له مالك الرب في الحلم وقال له: "يا يوسف ابن داود ال تخف أن تجيء بامرأتك مريم إلى بيتك. إن الذي تحمله هو من الروح القدس وستلد ابن ا فسم ه يسوع ألنه هو الذي يخلص شعبه من خطاياهم". وإنما حدث ذلك كله ليتم ما أوحى الرب إلى النبي القائل: "العذراء ستحمل فتلد ابن ا يدعى عمانوئيل" أي هللا معنا. عظة القديس برنار الثانية حول اإلنجيل لماذا أراد تركها )أي مريم(. إليكم انطباعات آباء الكنيسة بهذا الصدد )وليس انطباعي أنا( : السبب الذي جعل يوسف يرغب في إعادة مريم هو السبب ذاته الذي استند إليه بطرس ليبعد الرب عنه: "تباعد عني يا رب فإني رجل خاطئ". وهو أيضا السبب ذاته الذي ذكره قائد المائة عندما قال: "سيدي لست أهال ألن تدخل بيتي فتقف تحت سقفي". هكذا إذا كان وضع يوسف الذي اعتبر نفسه غير جدير وخاطئا فقال في نفسه: "إن مريم هي من الكمال والعظمة بحيث ال أستحق أن تستمر في العيش معي وكرامتها المذهلة تتجاوزني وتخيفني". والحظ برهبة أن ها تحمل عالمة واضحة لحضور إلهي فأراد إبعادها ألنه كان عاجزا عن كشف هذا السر. والخوف اعترى أيضا بطرس أمام عظمة القدرة مثلما اعترى قائد المائة أمام مهابة الوجود... وأليصابات نفسها لم تستطع تحمل وجود مريم فاستقبلتها وهي ترتجف احتراما قائلة: "أن ى لي أن تأتيني أم ربي

37 37 نصوص: تضرع "اذكري أيتها العذراء مريم الممتلئة رحمة أنه لم يسمع عنك قط أنك خذلت أي ا ممن لجأوا إلى حمايتك أو التمسوا عونك أو طلبوا مساعدتك. وإني يا عذراء العذارى ويا أمي إذ تنعشني مثل تلك الثقة أسارع نحوك وأسجد أمام قدميك نائح ا تحت عبء خطاياي. فيا أ م الكلمة ال تحتقري صلواتي بل استقبليها بترحاب وتكرمي باالستجابة لها. آمين". كثيرا ما ن سب هذا التضرع المسمى "اذكري" إلى القديس برنار الذي كان يقول عن مريم: "ال تتحدثوا بعد اآلن عن حنانها إذا تذكر واحد فقط ممن التمسوها في الحاجة أن ها تخل فت عن نجدته" )العظة الرابعة "حول انتقال العذراء" رقم ٨(. بيد أن التضرع المذكور لم يتخذ شكله الحالي إال في القرن الخامس عشر. في الحقيقة نجد شكال أوليا منه في القرن الثامن في عظة للقديس يوحنا الدمشقي حول عيد البشارة وقد جاء فيها: "يا مريم أنت التي ت سمع شفاعتها وت ستجاب صالتها دائما )...( ليتنا نحصل بواسطتك على العون كي نصنع الخير ونتحاشى الشر)...( فنبلغ إلى هللا العلي!". وفي فترة الحقة برزت نصوص ليتورجية يونانية تستعيد بالتفصيل هذه الفكرة : ال تستطيع مريم أن ترفض شيئا للذين يلجأون إلى شفاعتها. وفيما يلي مقتطفات من النصوص المذكورة: - ما من أحد يسارع إليك ويعود من عندك خائبا أيتها النقية والدة اإلله بل يلتمس النعمة فينال الموهبة على وفق ملتمسه. - أيتها الشفيعة الحارة والسور الذي ال ينال ينبوع الرحمة وملجأ العالم. إليك نهتف بإلحاح أيتها السيدة والدة اإلله فبادري وأنقذينا من المخاطر يا سريعة النصرة وحدك. )من رتبة الباركليسي( لم يرد أن يشهر أمرها )متى ۱/۱٩( هل يجوز االعتقاد بأن مريم كتمت سرها وأن ه بالرغم من إرادتها لم يتسر ب شيء من االنقالب الذي طرأ على شخصها وعلى حياتها هل يجوز االعتقاد أ ن يوسف لم يالحظ شيئا وأن ه لم يحاول معرفة ما حصل حتى قبل أن يتغي ر مظهر جسم مريم الصراحة هي القاعدة المألوفة لدى الخطيبين. إن المالك لم يوح لمريم بالتزام الصمت فكيف ال تشرك في سرها اإللهي من وضعه هللا إلى جانبها. قد تكون مريم هي التي فاتحت يوسف باألمر إذ كان قلبها يفيض فرحا فأرادت أن تشاركه بهجتها. أو قد يكون يوسف هو الذي استغرب التغيير الطارئ على مريم فاستفهم منها عن الموضوع من خالل نظرة أو صمت. المهم في كل حال أن مريم كشفت األمر الرائع فقررا الصمت معا. ولعله راود يوسف شعور بالشكر والحمد وإعجاب ال حدود له بمريم التي تجس د فيها مسيح المستقبل. ولكن وفي الوقت عينه ربما انتابته آالم أخذت باالشتداد شيئا فشيئا. لم يساور يوسف أي شك ولو للحظة واحدة فقد كان يعرف مريم تمام المعرفة ويعرف خضوعها التام هلل وطهارتها نحوه هو بالذات. وكان يدرك أن أدنى ريب من طرفه سيكون شائنا بحق مريم بل بحقه هو بالذات. إذا كانت آلالم يوسف أسباب أخرى. ذلك أن لهذا البار حس ا عميقا بالسر. فقد اختار هللا مريم ملكا له في نطاق مخططه الذي يتجاوز كل رؤية بشرية. وأمام مريم وأمام ما صنعه هللا فيها تراجع يوسف شأنه شأن جميع الذين يدركون عدم جدارتهم وكانت رد ة فعله شبيهة برد ة فعل أبرار العهد القديم وبرد ة فعل بطرس عندما قال ليسوع: " تباعد عني فإني رجل خاطئ" )لو ٨/٥(. فما عساه يفعل في هذا الموقف الذي يدير هللا اللعبة فيه وحده سألت مري م مال ك البشارة قائلة: "ماذا عن بتوليتي ". أما يوسف فكان تساؤله مختلفا: "ماذا عن زواجنا " واجه يوسف عندئذ خيارا قاسيا: إم ا أن يبقى مع مريم وينتحل صفة األب التي كانت تعود هلل وحده فيشير

38 38 بذلك إلى أن الطفل هو ولده وإم ا أن يتخلى عن مريم ويبتعد عنها آخذا كل االحتياطات لتجنيبها أية إهانة علنية. ولكن إذا فارقها على هذا النحو يكون قد ضح ى بزواجه وقطع العالقة معها وهي التي أعطته كل شيء وأعطاها كل شيء! ويكون قد فارق هذه المخلوقة الكاملة التي يتحول الحب والحياة بقربها إلى بهجة ونور! ويكون قد عدل عن مشروع العيش معها ألجل هللا! أال يكفي كل ذلك لتعذيبه عذابا مريرا وصمتت مريم إلى جانبه. كانت تعلم أنه يتألم ولماذا يتألم. ولكن لم يكن لديها جواب تقدمه له ولم يكن بوسعها إال أن تلتفت معه نحو الرب. )هنري كافاريل "خذ امرأتك مريم إلى بيتك ۱٩٨۳( بتولي ة مريم بنظر بروتستانتيين معاصرين نشأ الالهوتي السويسري كارل بارت )۱٨٨٥- Karl Barth ۱٩٥٨( في التيار المتحرر للمذهب البروتستانتي الذي يفسر الكتب المقدسة تحت تأثير نقد بالغ العقالنية بطريقة رمزية بحتة. وكان في نظر البروتستانتية المجدد المسموع أكثر من أي الهوتي آخر في موضوع اإليمان والعقيدة. وقد عمل بشجاعة على إعادة االعتبار إلى مقطع من قانون اإليمان طالما كان للبروتستانتيين موضوع جدل: "وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء". على الصعيد البشري يدين االبن ألبيه بكل ما يميز وجوده الخاص: اسمه وضعه حقوقه مزاجه طابعه الفرد مكانته التاريخية. لذلك فإن والدة يسوع المسيح من أب بشري ال تصلح إطالقا لتكون عالمة ليسوع اإلنسان بوصفه ابنا مولودا من اآلب في األزل بل كانت ستؤدي بالعكس إلى اعتبار يسوع فردا يختلف وجوده عن وجود هللا ويستقل عنه ]...[. وفي كل والدة طبيعية يعود مكان الصدارة إلى الرجل الرجل الواعي لسلطته والقوي في إرادته والفخور بقدرته الخالقة الرجل المستقل السيد. إ ن مفهوم الوالدة الطبيعية إذا ال يمكنه أن يكون عالمة مالئمة للسر الذي نحن بصدده هنا إذ إنه يشكل عالمة القدرة شبه الكونية للحب البشري )الهوى.)Éros للداللة على تلك القدرة في كل أبعادها فقد ظهر االتحاد الجنسي دائما كعالمة أكثر غنى ومعنى من أية عالمة أخرى. إال أنه ال يمكن مقارنته ب"المحبة" اإللهية )Agapé( التي "ال تسعى إلى منفعتها". فإن إرادة الرجل في إظهار قوته وسيطرته كما تبدوان خاصة في الفعل الجنسي تختلف كليا عن عظمة الرحمة اإللهية. لذلك فإن بتولية مريم ال اتحادها مع يوسف هي التي تشكل عالمة الوحي والمعرفة لسر ميالد يسوع. من أقوال القس جان تارتييه Jean Tartier بمناسبة االحتفال بالذكرى العاشرة لتدشين جناح " وحدة المسيحيين" في مدينة لورد ألقى القس جان تارتييه في عام ۱٩٩٤ محاضرة حول "مريم والمسكونية". وقد شرح فيها أن مريم جن بت المسيحيين الوقوع في هرطقة " الدوسيتيين " Docites )الذين يد عون أن تأنس المسيح كان ظاهريا فقط( كما جن بتهم الوهم بأن اإلنسان قادر على تخليص نفسه بنفسه. ومما جاء فيها: - "مريم هي الدليل األكيد على أن يسوع كان إنسانا حقا اب ن هللا المولود من امرأة. فمريم تذكرنا باستمرار بتجسد ابن هللا وهي تجنبنا بالتالي الوقوع في أحبولة الهرطقة الدوسيتية..." - "إن بتولية مريم هي العالمة المقبولة من الجميع حتى من البروتستانتيين على أن اإلنسان عاجز بذاته عن أن يخلق خالصه الذاتي ومخلصه الشخصي إذ ال بد ألجل ذلك من حرية هللا العجائبية ومجانيته التامة". واليوم ما أكثر األشخاص بين معاصرينا الذين يتعرضون لتجربة العمل ألجل خالصهم الخاص محاولين تحقيقه بذاتهم. وما أكثر المذاهب المتسللة إلينا من الشرق أو من الغرب التي تعلل باألوهام هؤالء الذين لم يستطيعوا أن يقاربوا مقاربة جيدة سر هللا المتجسد في مريم. من أقوال ماري بودوان كروا Marie Baudouin Croix إذا اصطدمت باألسرار قل في نفسك إ ن أم هللا هي أول من أدهشتها هذه األسرار.

39 39 حياة بسيطة للغاية عانت القديسة تيريزا الطفل يسوع من آالم مبر حة في إمعائها قبل شهر من وفاتها. وكانت رد ة فعلها عنيفة عندما كانت تقد م لها صور تصو ر العائلة المقدسة بطريقة مثالية.... ما يفيدني عندما أفكر بالعائلة المقدسة هو تصوري بأنها كانت تعيش حياة عادية تماما وليس كل ما يفتر ضونه أو يروونه لنا ]...[. كم يبدو لي أن حياتها كانت بسيطة! كانت نساء المنطقة يأتين للتحدث إ ىل العذراء مريم بال تكلف وكن يطلبن منها أحيانا أن تعطيه ن يسوع الصغير ليلعب مع أوالدهن. وكان يسوع ينظر إلى العذراء مستفسرا عما إذا كان عليه مرافقتهن. وفي بعض األحيان كانت النساء يتوجه ن مباشرة إلى الطفل يسوع ويقلن له ببساطة: "تعال والعب مع ولدي الصغير" ]...[. وأما القديس يوسف الطيب القلب! فكم أحبه! أتصوره وكأنني أراه وهو ينشر الخشب ثم يمسح عرق جبينه من حين إلى حين )...( وما أكثر أحزانه وخيبات أمله! فكم مرة تعرض للوم واإلهانة! وكم مرة رفضوا أن يدفعوا له أجرته! ال شك أن دهشتنا ستكون شديدة إذا علمنا بكل ما عاناه هو وعائلته! ۲۰( آب )۱٨٩٩

40 40 وفي اليوم التالي عادت تيريزا إلى الموضوع وألح ت على وجوب تضمين العظات حول مريم ما يشير دائما إلى إمكانية محاكاتها أو التمثل بها: ليتني كنت كاهنا ألعظ عن القديسة العذراء. عظة واحدة كانت تكفيني كي أعب ر عن كل ما في ذهني بشأنها. كنت سأبتدئ بإفهام المستمعين أنهم ال يعرفون سوى القليل عن حياة مريم. فعليهم تجنب األقوال غير المعقولة والتحدث عن أمور غير معروفة كقولهم مثال : إن العذراء عندما كانت في الثالثة من العمر ذهبت إلى الهيكل لتكر س نفسها للرب تحدوها مشاعر حب حارقة أو خارقة: في حين أن ها ربما ذهبت إلى هناك بكل بساطة من باب الطاعة لوالديها. ال يجوز كذلك تأويل النبوءة التي وجهها سمعان الشيخ إلى مريم: "وأنت سينفذ سيف في نفسك" بالقول إ ن مريم وضعت نصب عينيها آالم يسوع منذ تلك اللحظة إذ في الواقع لم تكن تلك العبارة إال نبوءة للمستقبل فقط. ولكي تعجبني عظة عن العذراء وتفيدني يجب أن أرى حياتها الحقيقية ال حياتها المفترضة وإن ي متأكدة من أن حياتها الحقيقية كانت بمنتهى البساطة. يقولون إنه يصعب التمثل بها في حين يجب القول إن ها مثال لنا كما يجب إبراز فضائلها وإعالن أنها كانت تعيش من اإليمان على غرارنا. ويجب أيضا االستشهاد باإلنجيل حيث وردت العبارة اآلتية: "لم يفهما الكلمة التي قالها لهما". ووردت أيضا عبارة أخرى ال تقل غرابة: "وأعجب أبواه بما كان ي قال عنه". إن مثل هذا اإلعجاب يفترض وجود بعض الدهشة أليس كذلك أي تها األم الصغيرة نعلم جيدا أ ن العذراء مريم هي ملكة السماء واألرض إال أنها أم أكثر مما هي ملكة. وال يجب القول إنها تحجب مجد جميع القديسين بسبب ميزاتها مثلما تحجب الشمس النجوم عند إشراقها. يا إلهي! ما أغرب ذلك! أم تزيل مجد أوالدها! إن ي أعتقد العكس تماما وأرى أن مريم ستزيد بقدر كبير بهاء المختارين. ال بأس من ذكر ميزتها ولكن يجب عدم االقتصار على ذلك. فإذا تاه المؤمنون إعجابا بتفوق مريم منذ بداية العظة حتى نهايتها فقد يؤدي األمر بالبعض منهم إلى الشعور بشيء من الجفاء تجاه تلك المخلوقة المتفوقة إلى هذا الحد فيود والحال هذه أن يختلي بنفسه في زاوية بعيدة حيث يستطيع أن يبرز بالطريقة التي يحسنها. وما تتفوق به السيدة العذراء علينا هو أنها لم تكن قادرة على أن تقع في الخطيئة وأنها كانت بريئة من الخطيئة األصلية. ولكن من جهة أخرى لم يكن حظها موفورا مثل حظنا ألنه لم تكن توجد "قديسة عذراء" غيرها لتحبها أم ا نحن فلنا هذه الحالوة اللطيفة اإلضافية لم تعهدها مريم. ۲۱( آب )۱٨٩٩

41 41 الفصل الخامس العائلة المقدسة "ثم نزل معهما وعاد إلى الناصرة وكان طائع ا لهما" )لوقا ٥۱/۲( أال يوجد تناقض في أن نقترح أسرة مريم ويوسف على المتز وجين المسيحيين كعائلة نموذجية لم تعرف بالتأكيد أسرتهما كل المحن التي يعاني منها اليوم العديد من العائالت وال سيما المصاعب المتعلقة بالحوار الزوجي وبتربية األوالد. ومع ذلك لقد مضى عشرون قرنا وال تزال عائالت مسيحية تجد حافزا قويا في تأملها العائلة المقدسة. دعونا نحاول معرفة السبب إال أن ثمة مالحظة تمهيدية ال بد منها: عندما يعجب بعض المسيحيين بالقديس فرنسيس األسيزي ويستلهمونه قدوة لهم يعرفون تمام المعرفة أن ه ال يتعين عليهم أن يعيشوا مثله الفقر اإلنجيلي إذ لكل شخص دعوته. ومن باب أولى عندما يتعل ق األمر بالعائلة المقدسة فهي ليست بالتأكيد نموذجا يجب تقليده كما هو وبطبيعة الحال ال يوجد م ن يستطيع ذلك. أوال حب زوجي يعاش في فعل النعمة إن الحنان الخارق الذي اتصف به الحب المتبادل بين مريم ويوسف طيلة حياتهما كان أجمل أيقونة للحب الثالوثي و جدت على األرض. هذا ال يعني أنهما كانا يتفقان فورا على القرارات الواجب اتخاذها وأن " كل شيء كان على ما يرام في أسرتهما". ويتضم ن الفصالن الالحقان ٥ و ٨ بعض اللمحات عما كانا يعانيان في حياتهما من شدائد وأحزان وقلق. أم ا بالنسبة إلى انعدام العالقات الجنسية بينهما فإن ذلك لم يمنعهما من اإلعجاب بعضهما ببعض ومن تبادل الحب العميق ومن التعبير عن حنانهما المتبادل بشتى الطرق وبملء االبتهاج. إن الرب إذ يقترح العائلة المقدسة على المسيحيين المتزوجين كأسرة نموذجية ال يطلب منهم بالطبع أن يقللوا من أهمية البعد الجنسي لحبهما الزوجي. بيد أن الطريقة البتولية التي دعي بها مريم ويوسف إلى أن يعيشا حبهما تل يق ضوءا عذبا على جميع المتزوجين الذين يضطرون بسبب ظروف مختلفة )ب عد مرض( إلى االمتناع مؤقتا أو نهائيا عن التعبير الجنسي عن حنانهم الزوجي. وإذا ما تأملوا العائلة المقدسة يدركون أن باستطاعتهم أن يعيشوا حب ا رائعا رغم هذا الحرمان. إن الزواج البتولي بين مريم ويوسف يشكل أيضا مثاال دينامي ا للمتز وجين المسيحيين الذين يتأث رون ذات يوم بالدعوة التي وج هها القديس بولس. فقد بي ن أن ه من المستحسن أن يمتنع الزوجان عن االتصال الجنسي "بناء على اتفاق بينهما وإلى حين كي يتفرغا للصالة" )قورنتس األولى ٥/٩(. وأوضح األب كافاريل في كتابه "خذ امرأتك مريم إلى بيتك" )۱٩٨۳ الصفحة ۱٥٩( أن كل دعوة تتوق نحو البتولية إذ إنها عطاء كامل وانتماء كلي إلى المسيح. وقد كتبت إلينا إحدى أس ر الف رق تقول: " يبدو لنا من األهمية بمكان أن نركز على إمكانية وجود حب زوجي بدون عالقة جنسية وعلى أ ن االمتناع عن تلك العالقة ممكن في بعض الحاالت ال نتيجة لغياب أو لمرض فحسب بل نتيجة الختيار حر. ويستطيع الزوجان أن يختارا هذا "الصوم" المؤقت كوسيلة للتقدم إذ من شأن البحث الدؤوب عن المتعة الحسية أن يحول أحيانا دون االنتباه إلى نداءات الروح القدس". وتابع الزوج في األسرة المذكورة قائال :

42 42 " أنا نفسي تأثرت كثيرا بتجربة هذا الصوم التي مارسناها مؤخرا لمدة شهر ونيف عند تطبيقنا "طريقة بيلينغس". ورغم أنها كانت تجربة يصعب تطبيقها يوميا فقد اكتسبت طريقة أنظر بها إلى زوجتي نظرة أخرى. ولم يقلل هذا االمتناع من حبنا المتبادل بل بالعكس أضفى على عالقتنا الزوجية مزيدا من العذوبة وأتاح لنا الشعور بفرح عميق من نوعية لم نعهدها من قبل". ويفيد أيضا جميع المتزو جين المسيحيين من تأملهم لجو الشكر الذي عاش فيه مريم ويوسف حبهما الزوجي. فال شك أن مريم كانت تشكر الرب الذي خصها بزوج يحبها ويتحلى بمثل هذا اللطف وهذه الرقة. ويمكننا أيضا أن نتصو ر كيف كان يوسف يشكر الرب ألنه منحه زوجة جميلة يمتلئ قلبها حنانا نحوه. وباستطاعة جميع األس ر المسيحية أن تعيش بدورها مثل هذا االختبار. ثاني ا مهمة تربوية عاشها مريم ويوسف بكل تواضع كان يوسف ومريم متفر غين لتربية الطفل الذي ع هد به إليهما إذ أوكلت إليهما مهمة اإلتاحة البن هللا أن يصبح حقا واحدا من ا. وكان ال بد من عملية التأنس تلك لتحقيق خالصنا. فلكي نستطيع أن نصبح أبناء هللا كان يجب قطعا أن يصبح ابن هللا مماثال لنا في كل شيء ما عدا الخطيئة )عبرانيين ۱٥/٤(. دعونا ننظر عن كثب إلى هذا الدور الذي لعبه يوسف ومريم كمرب يين لولدهما وهو دور أبرزه جيدا لوقا اإلنجيلي عندما ختم روايته لطفولة يسوع بالكلمات اآلتية: " ثم نزل معهما وعاد إلى الناصرة وكان طائعا لهما )...(. أما يسوع فكان يتسامى في الحكمة والقامة والحظوة عند هللا والناس" )٥۱/۲-٥۲(. وفيما خص الطاعة إذا رجعنا إلى المعنى األصلي لكلمة "سلطة" كما هو في اللغة اليونانية المشتقة منها نالحظ أنه يفيد "ازدياد" أي أن سلطة مريم ويوسف على ولدهما مكنته من أن "ينمو" في كل المجاالت بما في ذلك مجال الحب! وتستطيع هذه الفكرة أن تساعدنا على تجديد تعجبنا أمام المهمة التربوية التي يؤديها اليوم أيضا كافة آباء وأمهات العالم والتي تتمثل في إنماء أوالدهم "في الحكمة والقامة والحظوة عند هللا والناس". من البديهي أنه يستحيل علينا أن نكو ن فكرة واضحة عن نفسية يسوع فسر وعيه البشري هو أحد جوانب سر التجسد ذاته. ومع ذلك يمكننا أن نخم ن أو نحزر كل ما تلقاه يسوع من جراء وجوده سنوات عديدة مع مريم ويوسف. فرح التمتع بالحياة: ال شك أن من أهم أسباب ابتسام يسوع وفرحه بالحياة هو الوفاق الذي كان سائدا بين مريم ويوسف وحبهما الزوجي والحنان الذي كانا يحيطانه به. وال شيء يمنعنا من أن نتصو ر كيف كانا يضحكان لمشاهدتهما يسوع وهو يخطو خطواته األولى وكم ابتهجا الستماعهما إلى أسئلته وكلماته الطريفة. وقد نصاب ببعض "الدوار" إذا فكرنا في التأثير المستمر الذي مارسه حبهما على قلب يسوع هذا القلب الذي ال يزال يحبنا والذي سيدوم حبه لنا إلى دهر الداهرين. نضج عاطفي كامل: كثيرا ما ي قال إن يوسف كان األب المتبني ليسوع وذلك لتفسير سر حبل مريم البتولي. في الواقع يمكن القول إن "جميع اآلباء م تبنون" بمعنى أنه سيأتي يوم يتعين فيه على كل أب أن يتبن ى كليا الطفل الذي حملته زوجته وأنجبته علما بأن العديد من اآلباء يفعلون ذلك على الفور بينما يفعله غيرهم في وقت الحق. ومهما كانت السرعة التي يتم فيها هذا التبني فإنه أساسي لحصول النضج العاطفي عند الطفل إذ يتوصل هذا األخير بفضل عالقته الجيدة مع والده إلى أن ينفصل تدريجيا عن أمه وأن يقطع "الحبل السري"

43 43 الذي يربطه بها عاطفيا. وقد لعب يوسف هذا الدور في تربية ولده كما أنه ساهم في جعل يسوع يصبح "رجال " بكل معنى الكلمة مقترحا عليه صورة "ذكورية" استطاع أن يتمثل بها. وكان لهذا النفوذ األبوي الم جدي صدى في الحرية التي أظهرها يسوع تجاه الذين أحاطوا به فكان حرا إزاءهم جميعا ولم يخش أن يقول لكل منهم ما يفكر فيه. فرح الحب: تلقى يسوع من أبويه العديد والعديد من المعلومات. فقد اكتشف في مدرستهما معنى األلفاظ وكيفية التصرف في مختلف ظروف الحياة اليومية كما أنهما علماه القراءة والكتابة والغناء. وفي ورشة أبيه تدر ب يسوع على فن حفر الخشب وإحكام اللسان داخل الفرضة وراقب أمه وهي تزرع الخضار وتحلب النعاج. وعندما شاهدها تبحث عن قطعة نقود مفقودة أدرك أن أباه السماوي يتوق إلى العثور على كل من أبنائه الضالين. وأعجب أيضا يسوع بالرقة التي كان يتسم بها الحب المتبادل بين أبيه وأمه فقلدهما متتلمذا على الحب الحقيقي مختبرا في نفسه ما سيعل مه لتالميذه في وقت الحق: "السعادة الكبرى في العطاء ال في األخذ" )أعمال الرسل ۲۰/۳٥(. وبذلك اضطلع يوسف ومريم بمسؤولية هائلة بكل فرح إذ لقنا اب ن هللا المولود من اآلب فن المحبة بقلب بشري وببوادر إنسانية. فرح التضرع إلى اآلب: يرتكب خطأ جسيما كل من يتصو ر أن يسوع لم يكن في حاجة إلى تربية دينية. فبالرغم من علمه في الصميم ومنذ اللحظة األولى من حياته الواعية أن ه االبن الحبيب لآلب احتاج يسوع إلى نظرات والديه وقبالتهما وسواعدهما ليمثل لنفسه ضمن وعيه اإلنساني حنان أبيه السماوي الذي ال حدود له. ولم يستطع الرب إال أن يفكر في يوسف عندما قال لتالميذه يوما: "إذا كنتم أنتم األشرار تحسنون العطاء ألبنائكم فما أولى أباكم السماوي بأن يمنح سائليه الروح القدس" )لوقا ۱۳/۱۱(. وال شك أنه كان يتذكر عندما قال ذلك بالمفاجآت التي بادره بها أبوه أكثر من مرة في فترة شبابه لكن من األكيد أن ه لم يقصد يوسف بكلمتي "أنتم األشرار". أكثر من ذلك إن أبو يه ال سيما والده هما اللذان علماه قراءة التوراة وتالوة الصالة اليومية: "اس مع يا إسرائيل إن الرب إلهنا رب واحد. فأحبب الر ب إل هك بكل قلبك وكل نفسك وكل قدرتك" )تثنية االشتراع ٤/٥-٥(. وعندما س ئل يسوع في فترة الحقة ما هي أعظم وصية في رأيه اكتفى بتالوة الصالة التي علمه إياها أبوه في طفولته. وفي مدرسة والد يه اعتاد يسوع أيضا أن يبارك هللا ويشكره في كل ظرف من الشروق إلى الغروب. وعند استيقاظه على صوت الديك كان يقول مثل جميع معاصريه من األطفال اليهود: "مبار ك أنت يا رب ألنك وهبت الدي ك القدرة على تمييز النور من الظالم" إذ كان اليهود األتقياء منذ ذلك الحين يرددون طيلة النهار مختلف آيات التبريك. وال شك أن يسوع شاهد يوسف في العديد من المرات يكسر قطعة من الخبز في بدء وجبة الطعام قائال : "مبار ك أن ت يا رب إل ه الكون أنت الذي أعطانا هذا الخبز ثمرة األرض وجهد الناس!" وهو تبريك كرره يسو ع نف سه في وقت الحق كلما جلس لتناول الطعام برفقة تالميذه ونطق به بمزيد من التفخيم قبل تكثير الخبز وكذلك في مستهل العشاء األخير: "عندما حان وقت تسليمه ودخوله إلى اآلالم بملء إرادته أخذ الخبز وشكر وكسره..." ال شك أن ه كانت ليسوع طريقة خاصة لكسر الخبز. فقد عرفه اثنان من تالميذه عشية الفصح في قرية عماوس عندما شاهداه يقوم بهذه العملية. ومن األرجح أن تكون طريقته تلك شبيهة بطريقة أبيه! إذا تأمل المتزوجون المسيحيون مليا في هذا الدور الخارق الذي قام به يوسف ومريم في تربية ابن هللا بالذات سيتوصلون إلى إدراك أفضل ألهمية دورهم التربوي تجاه أوالدهم.

44 44 قام يوسف ومريم بمهمة تربية يسوع وهما واعيان تمام الوعي أنهما يقومان بمهمة تتجاوزهما إلى أبعد الحدود! وكثيرا ما صعب عليهما فهم مواق ف ابنهما )لوقا ٥۰/۲( ومن شان ذلك أن يشجعنا على متابعة دورنا التربوي كآباء من دون أن نترك صعوبة الواجب تثبط همتنا. ويجدر بنا أيضا أن نلتزم الصمت أمام سر أوالدنا أسوة بمريم ويوسف. ويشير اإلنجيل إلى مناسبتين عمدت فيهما العذراء بخشوع عميق إلى التأمل في كل ما يحدث لها وفي كل ما تسمعه وخاصة كالم يسوع وسلوكه )لوقا ۱٩/۲ و ٥۱ (. ومن السهل التصور أن يوسف كان أيضا صامتا أمام سر ابنه وأن قلبه كان يمتلئ خجال كلما رأى يسوع يطيع أدنى نصائحه. وال شك أنه كان يشرك مريم في خجله عندما كانا يجلسان معا ويصمتان مبتهجين أمام ولدهما )أي في أثناء قيامهما بواجب المجالسة إن صح القول!(. ثالثا : أول خلية ك ن سي ة ليست العائلة المقدسة مثاال للحب الزوجي واألبوي فحسب بل تجد فيها أيضا كافة الجماعات المسيحية النموذج الكامل لما يتعي ن عليها أن تصبح هي بالذات. كان الكاردينال "جورنيه" Journet يحب أن يتأمل أسرة الناصرة كونها "أول خلي ة كنسي ة" إذ كان وجود يسوع يستقطب كل حياة مريم ويوسف اللذين لم يعيشا إال ألجله وكان سرورهما وسبب وجودهما في الحياة ينحصر في استقبال هذا الطفل الموهوب لهما بمجانية مطلقة وفي تربيته وتأمله واإلصغاء إليه. وعلى غرار مريم ويوسف يستطيع أفراد الجماعات المسيحية أن يجدوا في استقبالهم المسيح بينهم وفي إعجابهم به مصدرا عميقا البتهاجهم ولوحدتهم. ولكن في العديد من األحيان تنزع الجماعات الرسولية إلى االفتخار أوال بما تصنعه هي أو بكثرة أعضائها بدال من أن تستمد بهجتها من ذلك الذي وهب نفسه لها والذي يستطيع من دون سواه أن يقودها نحو الوحدة التامة وان يجعل نشاطاتها خصبة حقا. ومن حق المتزو جين المسيحيين أن يبتهجوا لكون هللا اقترح على كافة الجماعات المسيحية أن تتخذ قدوة لها أسرة مسيحية ال جماعة دينية مما يدل على تقديره الكبير لمؤ سسة الزواج. ومن شأن ذلك أن يشج ع المسيحيين بقوة على أن يجعلوا من أسرتهم "كنيسة مصغ رة" )حسب قول يوحنا بولس الثاني( على صورة العائلة المقدسة التي هي نفسها أيقونة العائلة الثالوثية. وسيبلغ الزوجان المسيحيان بدورهما هذا االكتمال من الحب والبهجة الذي يتطلعان إليه إذا ما استقبال الرب يسوع في أسرتهما واستمعا إليه. * للحوار في الفرقة: ۱- إذا حظينا بحب والدينا في طفولتنا كيف نعبر لهما عن عرفاننا بالجميل ۲- نعلم أن أوالدنا ليسوا ملكا لنا وأنه سيأتي يوم يحصلون فيه على استقاللهم المشروع تجاهنا... فكيف نستطيع أن نحقق التوازن الصحيح بين واجبنا الذي يلزمنا بتهيئة مستقبلهم وواجبنا الذي يفرض علينا أن نبقى يقظين لمخطط هللا بشأنهم وجاهزين إلتمامه. * للحوار بين الزوجين: ۱- هل نطلب المغفرة عند اللزوم عما بدر منا من خشونة بالقول والفعل واإلهمال علما بأن هذه المغفرة هي على صورة مغفرة المسيح لكافة أعضاء كنيسته. ۲- ماذا علينا أن نفعل لنجعل من أسرتنا "خلي ة كنسي ة" حقيقية بقدر أكبر

45 45 صالة الجتماع الفرقة )من إنجيل القديس لوقا ٤۱-۲/ ٥۲( وكان أبوا يسوع يذهبان كل سنة إلى أورشليم في عيد الفصح. فلما بلغ اثنتي عشرة سنة صعدوا إليها جري ا على السن ة في العيد. فلما انقضت أيام العيد ورجعا بقي الصبي يسوع في أورشليم من غير أن يعلم أبواه. وكانا يظنان أنه في القافلة فسارا مسيرة يوم ثم أخذا يبحثان عنه عند األقارب والمعارف. فلما لم يجداه رجعا إلى أورشليم يبحثان عنه. فوجداه بعد ثالثة أيام في الهيكل جالس ا في حلقة العلماء يستمع إليهم ويسألهم. وكان جميع سامعيه في حيرة من ذكائه وردوده. فلما أبصراه دهشا فقالت له أمه: "يا بني لم صنعت بنا ذلك فأنا وأبوك نبحث عنك متلهفين". فقال لهما: "ولم تبحثا عني ألم تعلما أنه يجب علي أن أكون عند أبي " فلم يفهما الكلمة التي قالها لهما. ثم نزل معهما وعاد إلى الناصرة وكان طائع ا لهما وكانت أمه تحفظ كل شيء في قلبها. وكان يسوع يتسامى في الحكمة والقامة والحظوة عند هللا والناس. بادرة نبوي ة ليس بقاء يسوع في الهيكل على هذا الشكل وبهذه الطريقة غير المتوقعة هروبا أو عمال صبيانيا بل له مدلول نبوي. وقبل أن يلتفت يسوع إلى أمور أبيه السماوي كان عليه أن يهتم طوال سنين عديدة بأمور أبويه على األرض. ولكن كان يجب أيضا أن يعلما )وأن نعلم نحن معهما( أن هناك إمكانية حدوث نزاع بين الطاعة الواجبة للعائلة والطاعة الواجبة هلل. فخدمة هللا تأتي قبل خدمة األبوين وخدمة الهيكل تأتي قبل خدمة المنزل وخدمة اآلب السماوي تأتي قبل روابط المحبة المتولدة من اللحم والدم وخدمة مخطط هللا تأتي قبل مشاريع اآلباء واألمهات بشأن أوالدهم. إن هللا هو أول من تجب خدمته حتى لو اقتضى ذلك كسر عادات وجيهة ومشاعر حب مشروعة. )هنري سانسون: الناصرة حميمية روحية ۱٩٩۲ ) Henri Sanson, Nazareth, intimité spirituelle, 1992 سيدة األطفال يا مريم أنت التي قدمت اب نك إلى الهيكل نقدم إليك هؤالء األوالد الذين وهبنا هللا إياهم. بنعمة معموديتهم أصب حت أ مهم لذلك نعهد بهم إلى حنانك وإلى يقظتك. امنحيهم الصحة واحفظيهم من الخطيئة وإذا تاهوا ادعميهم بحب ك كي ينالوا الغفران و يبعثوا مرة أخرى إلى الحياة. ساعدينا نحن آبا ءهم وأمهاتهم على أداء مهمتنا تجاههم امنحينا نورك وحبك علمينا أن نفتح عيونهم على كل ما هو جميل وأذهانهم على كل ما هو صحيح وقلوبهم على كل ما هو خير. علمينا أن نستمع إليهم وان نعينهم حتى يتحملوا مسؤولياتهم دعينا نعرف كيف ننسحب عندما تأتي الساعة التي يتعي ن فيها أن يضطلعوا بأمورهم بأنفسهم. وعندما نغيب عن هذه الدنيا فال نعود نحيطهم بحناننا قفي إلى جانبهم لتحضنيهم بعطفك ولتحفظيهم عبر الحياة كي يأتي يوم نجتمع فيه جميعا في منزل اآلب آمين. )صالة زوجين مقتطفات من دفاتر مريم تشرين الثاني ) ۱٩٩٤

46 صالة ألجل أوالدنا 46 عه د ت إلينا يا رب بأوالدنا. من أجل ما جلبوه إلينا من أفراح وكل ما جعلونا نكتشفه نرفع إليك آيات الشكر. نودعهم بين يديك كما كنا نفعل عندما كنا ننتظرهم وكما ما زلنا نفعل في كل خطوة من حياتنا ومن حياتهم وفي كل زلة قدم... نعهد بهم إليك ألننا علمنا - بل هم علمونا- أننا ال نستطيع الكثير ألجلهم وأن بإمكاننا فقط محاولة حبهم كما تحبهم أنت. الحمد لك ألنك منحتنا الح ب الزوجي: فهو أعظم عطاء قدمناه إليهم. ولكن قد يكون العطاء أسهل من األخذ. اجعل حب نا لهم متنبها وليك ن نداء خفيا أو استجابة خفي ة لطلباتهم. ال نستطيع شيئا بدونك فساعدنا أيها اآلب الصالح لنكون شهودا لحنانك تجاه أوالدنا. أن نتضر ع إليك ألجلهم هو أيضا أن نطلب ألجلهم. ولكن يا رب ما عسانا نطلب ما هو الخير بالنسبة إليهم نحن نعلم بما فيه الكفاية أنه يختلف عم ا هو خير لنا إذ يعيشون ويفكرون بطريقة مغايرة لطريقتنا نظرا إلى عمرهم. واألكثر من ذلك أنهم يبدون وكأنهم ابتعدوا عنك غير أنك وحدك تعرف ما في أعماق قلوبهم. لذلك فاألحرى بنا أن نرفع الطلبات إليك ألجلنا نحن فاجعل صبرنا المتقطع شبيها بصبرك الذي ال ينضب. واجعلنا نلتفت إلى كل ما هو صالح لدى أوالدنا حتى نقدر قيمته ونقدمه إليك قربانا. وفي الشدائد - ألنها موجودة وستبقى موجودة - وفي اآلالم التي سوف يسببونها لنا امنحنا القوة الكافية لنحبهم حبا يزداد يوما بعد يوم ولنستطيع أن نتعرف من وراء األزمة إلى النساء والرجال الجدد الذين ولدوا من هذه األزمة والذين سيظلون دائما أوالدنا. نصوص هذا الولد اآلتي من مكان آخر عندما نظر يوسف ومريم إلى الطفل النائم أدركا أن نظام األمور قد انقلب. فالنظام يقضي بأن يرغب األبوان في ولد وأن يقررا مجيئه. لكن يسوع هو الذي اختار أباه وأمه إذ إن اآلب السماوي فكر فيه منذ األزل وخلق العالمين ألجله وألجله أيضا نطق األنبياء وانجذب أبوه وأمه نحو البتولي ة والزواج. حل عليهما نور ساطع فرفعا إلى هللا آيات شكر ال حدود لها. وهل هناك من شعور أو من يقين يجلب السعادة إلى اإلنسان ويزيد صالته عبادة أكثر من وقوع خيار هللا عليه وهل هناك فرحة تثير دهشة الوالدين أكثر من اختيار ولدهما لهما من المألوف أن يشكر الطفل أبويه من أجل الحياة التي وهباها له. أما مريم ويوسف فهما اللذان شكرا الطفل وهللا أباه. ثمة أيضا أهم من ذلك. فهذا الولد اآلتي من مكان آخر قد ع هد به إليهما. نالحظ هنا أمورا عادت إلى سيرها الطبيعي بيد أنها تنطوي على ناحية فريدة هي كون يسوع من أصل فا قئ الطبيعة. فقد كان بإمكان هللا أن يجنب مسيحه الحاجة إلى الحماية البشرية كما لو أرسله مثال وهو في سن الرشد أو منحه معرفة عجائبية أو خصص له مرافقين من المالئكة. لكن لم يكن األمر كذلك مع يسوع إذ اعتمد على أبويه لينال منهما المعرفة البشرية والحماية والتربية التي جعلت منه رجل زمانه وبيئته وعرقه ودينه. ويمكن القول إن هللا تخلى عن جميع حقوقه على الطفل لصالح يوسف ومريم فوثق بهما وتنازل لهما عن أبو ته هو الذي خلقهما وألهمهما وقادهما وقد سهما ألجل تلك اللحظة وهذه الرسالة. إذا لقد "أ عطي" لهما يسوع أ عطي لزواجهما ولحبهما. األمر الذي منح يوسف ومريم فرصة اإليمان بزواجهما بقدر أكبر فجمع بينهما تضامن جديد. وفي الوقت الذي كانا ينظران فيه إلى وليدهما ويصغيان إلى تنفسه الهادئ كانا ينضمان بعضهما إلى بعض بشكل عفوي كأنهما يريدان التعبير عن التقارب

47 ة 47 الجديد بينهما. وإذا كان المسيح الحاضر بين شخصين يوطد اإلتحاد القائم بينهما فبأية قوة يفعل ذلك بين هذا الرجل وهذه المرأة اللذين يحبانه ويتبادالن الحب فيه. )هنري كافاريل "خذ امرأتك مريم إلى بيتك ۱٩٨۳( يوسف أيقونة اآلب )أبرز جان جاك أوليه )۱٥۰٨-۱٥٥٩( Olier Jean-Jacques تلميذ القديس منصور دي بول ومؤسس رهبانية "سان سولبيس" St-Sulpice وهو نموذج للمدرسة الفرنسية للروحانية أبرز بوضوح دور يوسف في حياة يسوع وفي حياتنا. فقد أتاح يوسف ليسوع اإلنسان أن يكو ن فكرة كاملة عن أبيه السماوي وكان بالنسبة إليه بمنزلة "عالمة اآلب األزلي" وانعكاسه ومرآته. وهذا ما يجب أن يكون أيضا بالنسبة إلينا(. إن القديس يوسف المثير لإلعجاب أعطي للدنيا ليعب ر بشكل محسوس عن كماالت هللا اآلب المعبودة. فكان يتحلى بجمال اآلب وصفاته وحبه وحكمته وحصانته ورحمته ورأفته. خ ص ص قديس واحد لتمثيل هللا اآلب في حين يلزم عدد ال يحصى من الكائنات وحشد من القديسين لتمثيل يسوع المسيح: فشغل الكنيسة الشاغل هو إبراز فضائل رئيسها وكماله بينما القديس يوسف وحده يمثل اآلب األزلي. لذلك يجب اعتبار القديس يوسف الجليل كأعظم الخالئق وأشهرها وأصعبها فهما من قب ل الناس. إن ابن هللا الذي جعل نفسه مرئيا بالتجسد كان يتحدث ويتعامل مع هللا أبيه المستتر في شخص يوسف. فكان اآلب إذا يظهر ليسوع بواسطة يوسف وفي شخصه. وكانت القديسة العذراء مريم والقديس يوسف يمثالن معا شخصا واحدا هو شخص هللا اآلب. وكانا يشكالن تمثيل ين محسو سين له صورتين يع بد المسي ح بواسطتهما كمال أبيه السماوي إم ا في خصوبته األزلية وإم ا في عنايته اإللهية الدنيوية. )مشاعر "أوليه" Olier حول التقوى تجاه القديس يوسف ۱٨٤۳( واجب األبوة في أيامنا الحاضرة كان يوسف يتضر ع إلى هللا من كل قلبه المؤمن قائال له: "أبت" وكان يسوع وهو يقوم إلى جانبه بأعمال النجارة يتوج ه إليه مسميا إياه: "أبت"... يا له من سر! فالمسيح بصفته إلها اختبر مباشرة األبو اإللهية في أحضان الثالوث األقدس وقد عاش التجربة نفسها بصفته إنسانا عبر شخص يوسف أبيه بالتبني. وقد م يوسف بدوره إلى الطفل الذي كان ينمو بجانبه في بيت الناصرة ركن اتزانه كرجل وفطنته وشجاعته والمواهب التي يتحلى بها كل أب صالح والتي كان يستمدها من المصدر الرفيع الذي "منه كل أبوة في السماء واألرض" )أفسس ۳/۱٥(. وواجب األبوة هذا إن ما هو واجب رئيسي. أم ا اليوم فيميل العديد من اآلباء واألمهات إلى التنحي عن هذا الدور ويفضلون أن يقيموا مع أوالدهم عالقة الند للند األمر الذي يؤدي في النهاية إلى حرمان هؤالء األوالد من الدعم النفسي والمعنوي الذي يحتاجون إليه الجتياز المرحلة الحرجة للطفولة وللسنوات األولى من المراهقة. وقد قيل إننا نعيش اليوم أزمة "المجتمع بدون آباء" فبات الناس يشعرون أكثر فأكثر بالحاجة إلى إمكانية االعتماد على آباء يحسنون تأدية دورهم ويعرفون كيف يجمعون بين الحنان والجدية بين التفهم والقسوة بين الزمالة والسلطة. فتلك هي الوسيلة الوحيدة التي تمكن األوالد من النمو بانسجام متغلبين على مخاوفهم ومتهيئين لمجابهة مفاجآت الحياة بشجاعة. ولكن أيها اآلباء أين تستطيعون أن تجدوا القدرة الالزمة لتتخذوا في مختلف الظروف الموقف الصحيح الذي يتوقعه منكم أوالدكم ولو بدون علمهم

48 48 القديس يوسف هو الذي يعطيكم الجواب: في هللا الذي هو مصدر كل أبوة وفي طريقة تعامله مع البشر كما يكشفها لنا الكتاب المقدس تستطيعون أن تجدوا مثال األبوة القادرة على أن تؤثر إيجابيا على مسيرة أوالدكم التربوية دون خنق عفويتهم من جهة ودون تعريض شخصيتهم التي ال تزال في طور النمو إلى صدمات التجارب الناجمة عن عدم األمان وعن االنعزال من جهة أخرى. لم يتنازل يوسف وزوجته العذراء مريم الكلية العفة عن سلطتهما األبوية إذ ورد في اإلنجيل أن يسوع "كان طائعا لهما" )لوقا ٥۱/۲(. وهذه الطاعة التي شهدتها جدران بيت الناصرة كانت طاعة بن اءة أتاحت للطفل يسوع أن " يتسامى في الحكمة والقامة والحظوة عند هللا والناس" )لوقا ٥۲/۲(. )يوحنا بولس الثاني يوسف رجل إيمان وصالة ۱٩٨۳/۳/۱٩( أيتها القديسة مريم يا والدة اإلله... احفظي لي قلبي مثل قلب طفل نقيا شفافا كالنبع. احصلي لي على قلب بسيط ال يستمتع بالحزن قلب رائع يهب نفسه قلب حنون رؤوف قلب سخي وفي ال ينسى الخير وال يحقد بسبب الشر. اجعليه قلبا وديعا متواضعا قلبا ي حب دون أن يشترط المعاملة بالمثل ويبتهج إذا غاص في قلب آخر أمام ابنك اإللهي قلبا طيبا ال يقهر ال يغلقه أي عقوق وال يتبعه أي عدم اكتراث قلبا يتألم لمجد يسوع المسيح مجروحا بحبه وال يشفى جرحه إال في السماء. )األب ليونس غرانميزون )۱٨٨٥ Grandmaison Père Léonce de )هذه الصالة كان يتلوها إدمون ميشلي Edmond Michelet المقاوم الشهير في بلدة "بريف ال غايارد" هو وزوجته. وقد سمي "الكاهن المرشد لفرنسا" من قبل الكاتب أندريه مالرو André Malraux وخلفه عام ۱٩٥٩ في وزارة الثقافة. وكان قد حمل القربان المقدس إلى عدد كبير من سجناء معتقل "داشو" Dachau مخاطرا بحياته. وقد تم حفر بعض كلمات هذه الصالة في معبد كنيسة سيدة السالم على بعد بضعة كيلومترات من بلدة "بريف" حيث يوجد ضريح كل منهما.(

49 49 عذراء " اآلية" تمثل أيقونة العذراء "المصل ية" امرأة تتضرع إلى هللا رافعة ذراعيها وهي أقدم الرسوم المسيحية وكثيرا ما ت شاهد على الجداريات في سراديب الدياميس. وعذراء "اآلية" سواء أكانت بقامتها الكاملة أم بنصفها األعلى تومئ هي أيضا بإشارة الصالة حاملة المسيح على قلبها. أم ا الهالة الدائرية أو البيضوية الشكل التي تحيط بابنها فترمز إلى المجد اإللهي الذي لم يفارقه أبدا عندما تجسد في أحشائها. ويوجد ضمن الهالة التي تحتوي الصليب ثالثة أحرف يونانية تفيد "أنا هنا" مشيرة إلى يسوع. ورد في سفر أشعيا )۱٤/٩( نص ت م تفسيره في العديد من األحيان على أنه ينبئ بالحبل البتولي بيسوع وإليه يعود أصل إطالق تلك التسمية على هذه األيقونة. فقد جاء فيه: "يؤتيكم السيد نفسه آية : ها إن العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه "عمانوئيل". لهذه األيقونة اسم آخر: " بالتيتيرا" أطلقه عليها الروم وهو يعني: "األرحب من السماوات" وذلك باعتبار أن مريم حملت في بطنها ذلك الذي ال تستطيع السماوات احتواءه. وقد ركز آباء الكنيسة في الشرق والغرب على هذا التناقض الظاهري في عملية التجسد: "يا له من مزيج عجيب. من هو كائن تحول ومن هو غير مخلوق خ لق ومن هو غير محدود ح د. )القديس غريغوريوس النازيانزي(. وتعيد األيقونة إلى األذهان اإليمان الرائع الذي رافق استقبال مريم كال م الرب فقد آمنت بال تردد بالسر الذي كان سيتم فيها وحملت الطفل يسوع في قلبها قبل أن تحمله في بطنها كما جاء مرارا في أقوال آباء الكنيسة. وبتأملنا األيقونة نرى أنها تدعونا إلى أن نترك نحن أيضا المسيح يسود في قلوبنا. تطلب عذراء األيقونة ذلك من ابنها ألجلنا فيباركنا بيده اليمنى ويمسك بيده األخرى سفر اإلنجيل حيث ك تب: "طوبى لمن يسمع كالم هللا ويحفظه" )لوقا ۱۱/۲٨(. تلك هي حسب يسوع ذاته العظمة الحقيقية لمريم وجذر طوباويتها العميق فهي لم تكتف بحمل طفلها وتغذيته بحليبها بل أصغت إلى كل تعليمه وتأملت فيه طويال في قلبها. فعلينا نحن أيضا أن نحذو حذوها ونقتدي بها بفضل شفاعتها كأم.

50 50 وكما يالحظ في سائر األيقونات تذك رنا النجوم الثالثة الموجودة على معطف مريم بسر بتوليتها قبل والدتها يسوع وفي أثنائها وبعدها كما أن األحرف اليونانية تشير إلى ما يلي: األربعة في األعلى تعني "والدة هللا" واألربعة األخرى تعني "يسوع المسيح". وفي أسفل األيقونة أضاف الرسام هنا دائرة عليقة تشتعل يرمز لهيبها إلى الحب الذي كان يحرق قلب مريم. * * * العيش في مريم إن أيقونة "عذراء اآلية" تعيد إلى أذهاننا بطريقتها الخاصة الحقيقة الكائنة في عمق أفكار كل من القديس "لويس ماري غرينيون دي مونفور" واألب "ماكسيميليان كولب" وهي أننا "مقيمون في مريم". وقد عب ر المفكر "جان غيتون" عن الفكرة ذاتها انطالقا من حديث نيقوديم س مع يسوع )يوحنا ۳/٤( فكتب قائال : " إن المسالة الروحية التي تطرح نف سها بشأن مريم تبدو لي موصوفة تماما في كلمات نيقودي مس ليسوع وهي تتعلق بكيفية عودة اإلنسان إلى طفولته كما لو كان "يدخل في بطن أمه ثانية وهو شيخ". إن حياة الروح من خالل هذه الزاوية هي عكس حياة الجسد. ففي الحياة الروحية كلما ابتعد الجسد عن رحم األم نما وتثب ت ألن الحياة هي مغادرة هذا الوسط األولي لتكوين وجود مستقل. أم ا في الحياة الروحية ذات النمط المريمي فيجذبنا نفوذ قوي ورقيق من الخارج ويجعلنا إن ص ح القول نتراجع لنتحد بالمسيح وبالروح القدس الذي نعود إليه. وذلك يتم عن طريق وسيط يشبه األم هو التأثير والدائرة المريميتان ". )العذراء مريم أوبييه ۱٩٤٩ ص 201(

51 51 الفصل السادس مريم مثال إيماننا "طوبى لك يا م ن آم نت " )لوقا ۱/٤٥( إن أول تطويبة في اإلنجيل أعلنت مريم طوباوية بسبب إيمانها وقد وجهتها إليها نسيبتها أليصابات يوم استقبلت مريم في بيتها قائلة: " أن ى لي أن تأتيني أم ربي طوبى لك يا من آمنت بأن ما بلغها من عند الرب سيتم" )لوقا ٤۳/۱-٤٥(. وقد رك ز يوحنا بولس الثاني بحق في رسالته البابوية حول "أم الفادي" على الدور الذي لعبه إيمان مريم في تحقيق خالصنا. فعندما يتكلم هللا يجب أن نجيبه "بطاعة اإليمان" )رومة ۱٥/۲٥ و ٥/۱-۲ قورنتس ۱۰/ ٥-٥(. يقول البابا: "يجد هذا التعريف لإليمان في مريم تحقيقه الكامل. واللحظة الحاسمة كانت البشارة وكلمات أليصابات بالذات تركز على تلك اللحظة قبل أي شيء آخر" )الفقرة ۱۳ من الرسالة البابوية(. أوال : "ن ع م" الناصرة دعونا نتصو ر كم كان إيمان مريم قويا عندما سمعت المالك يقول لها: "إن الروح القدس يحل عليك وقدرة العلي تظل لك" )لوقا ۱/۳٥(. فقد آم نت فورا ومن كل قلبها وبدون أي تردد "أن ما من شيء يعجز هللا". فقدمت جسدها إلى فعل الروح القدس وأصبحت بذلك أما ولم تشك لحظة واحدة في المعجزة التي كانت آنذاك تتم فيها. وكما ورد أيضا في الرسالة البابوية إن هذا الجواب المملوء إيمانا يتضم ن "استعدادا تاما لفعل الروح القدس الذي ما فتئ يجعل اإليمان أكثر كماال عن طريق عطاياه" )الفقرة ۱۳(. يمكن إذا القول مع آباء الكنيسة إن "مريم حبلت بطفلها في ذهنها وفي قلبها المؤمن قبل أن تحبل به في بطنها". ومن الصواب أن يقارن إيمان مريم بإيمان إبراهيم "أبينا في اإليمان" )رومة ٤/۱۲(. وقد جاء في الفقرة ۱٤ من الرسالة البابوية: " في تنسيق عملية الخالص التي كشفها هللا يمثل إيمان إبراهيم بداية العهد القديم بينما يدشن إيمان مريم العهد الجديد عند البشارة. ومثلما آمن إبراهيم "راجيا على غير رجاء فأصبح أبا لعدد كبير من األمم" )رومة ۱٨/٤( كذلك آمنت مريم لحظة البشارة أنها بقدرة العلي وبالروح القدس ستصبح أم ا البن هللا بعد أن صر حت عن وضعها كعذراء )أن ى يكون هذا وال أعرف رجال (. ثاني ا: إيمان وفي كانت حياة مريم كل ها عبارة عن "مسيرة في اإليمان" رغم األحداث التي بدت وكأنها تشكل إخالال بالوعود المعطاة لها. فقد أعلمها المالك أن ابنها سيكون عظيما وأنه سيكون ملكا. وإذ به يولد في مغارة ويتعر ض بسرعة لمحاولة قتل. وتنبأ أشعيا أنه على المسيح سيستقر روح الرب وروح الحكمة والفهم وروح المشورة والقوة وإذ بيسوع يبقى ثالثين عاما في الناصرة من دون إنجاز أي ة أعجوبة ودون إظهار أي ة مواهب استثنائية. وكان سمعان قد وعد مريم أن ابنها يسوع سيكون نور األمم وكانت المزامير التي تتلوها تعلن باستمرار التجمع الذي سيحصل عند مجيء األزمنة المسيحانية :" اللهم إجعل أحكامك للملك وعدلك البن الملك... يسجد له جميع الملوك وتتعبد له كل األمم" )المزمور ٩۲/۱۱-۱( وها هو ابنها بعدما بدأ رسالته لم يستطع حتى الحصول على رضى أهالي قريته )متى ٥/٥(. وكان من المفروض أن يعطيه هللا عرش أبيه داود وها هو ينهي حياته مسمرا على الصليب بين لصين!

52 52 يجب أن نعيد قراءة اإلنجيل بكامله محاولين إدراك اإليمان الشجاع الذي عاشته به مريم يوما بعد يوم األحداث المحيرة التي تخل لت حياتها. واإلنجيل بطبيعة الحال لم يغفل اإلشارة إلى دهشة أبوي يسوع عندما وجداه في أورشليم بعد أن أمضيا ثالثة أيام في البحث عنه وإلى أنه لم ي ر من الضروري حتى أن يعتذر لهما! "يا بني لم صنعت بنا ذلك فأنا وأبوك نبحث عنك متلهفين. قال لها: ولم بحثتما عني ألم تعلما أنه يجب علي أن أكون عند أبي فلم يفهما الكلمة التي قالها لهما" )لوقا ۲/٤٨-٥۰(. تشكل هذه العبارة تعزية لنا ألننا ال نفهم نحن أيضا دائما ما يحدث لنا ونجتاز فترات يبدو لنا فيها سلوك هللا غير متماسك. فال نتبي ن ما يقصده... "إلى أين يريد أن يقودنا ما هو منطقه " في مثل تلك اللحظات يجدر بنا أن نتذكر أن مريم نفسها لم تفهم دائما سلوك ابنها ولكنها أسوة بإبراهيم وحتى بطريقة أفضل منه استندت إلى الوعود التي قطعها لها هللا وإلى هذه الوعود من دون سواها: "وأنا عليك توكلت يا رب قلت إنك أنت إلهي" )المزمور ۳۱/۱٥(. "ينطق لساني بأقوالك ألن جميع وصاياك عدل" )المزمور ۱٩۲/۱۱٩(. ثالث ا: انتظار القيامة باطمئنان لذلك دأب ت التقاليد على االعتقاد بأن مريم انتظرت بثقة قيامة ابنها منذ وضعه في القبر. وكان يسوع قد أعلن ذلك عدة مرات )مرقس ۱۰/۳٤( ٩/۳۱ ٨/۳۱ وآمنت به مريم. وبينما ساور الرسل يأس عميق بسبب الطريقة التي تمت بها "تصفية" معلمهم من قبل أعدائه بقيت مريم راسخة في إيمان ال يتزعزع. وفي مساء سبت النور كانت الوحيدة التي رجت "على غير رجاء" أن يقوم يسوع من األموات. وهذا هو السبب الذي حدا الكنيسة على ذكر هذا اإليمان غير المشروط لمريم في ليتورجيا يوم السبت وهو يوم األسبوع المكر س لها بشكل خاص. رابع ا: دور العالمات واآليات في إيماننا يجب أن نحاول على غرار مريم عدم ربط إيماننا بالسرعة التي يستجيب بها الرب لرغبات أسرتنا. وعلى غرارها أيضا علينا أن نرضى صابرين بالتأخير الذي غالبا ما يفرضه الرب على تحقيق أكثر رغباتنا المشروعة. ويجب عندها أن نذكر كلمة النبي أشعيا التي جاء فيها: " ينتظر الرب ليرحمكم" )۳۰/۱٨(. واألمر األكيد هو أنه سيدهشنا دائما في صبرنا. هذا ونكون محقين تماما إذا انتبهنا إلى العالمات األكثر بروزا التي يعطينا إياها الرب أحيانا ليدل على وجوده وسط الكنيسة. والعذراء مريم ال تمنعنا من ذلك بالعكس! ألم تكن هي التي "سببت" أول أعجوبة أنجزها يسوع في مستهل رسالته في قانا الجليل فقد أتاح لتالميذه أن يؤمنوا حقا به: "هذه أولى آيات يسوع أتى بها في قانا الجليل فأظهر مجده فآمن به تالميذه" )يوحنا ۱۱/۲(. قبل قانا "تبع" التالميذ يسوع. أما بعد قانا "فآمنوا" به. ال تزال تحدث في أيامنا هذه معجزات رائعة وحاالت شفاء مدهشة... في مدينة لورد أو في غيرها. إن هللا إلى جانب العالمات الخفية غمزات العين التي نتلقاها منه في العديد من األحيان كدليل على مروره في حياتنا يريد أن يعطينا عالمات محسوسة نستطيع لمسها وتدل على حضوره الودود. فعلينا أال نحتقرها وأال نلعب دور الشطار الذين ال يحتاجون إليها! بالطبع ليس من الضروري مشاهدة المعجزة بأم العين للتحلي بإيمان متين. وبدال من أن نطلب على غرار توما ظاهرة مرئية "من أجلنا نحن فقط" يجب أن نرضى متواضعين وطائعين بالمعجزات التي حدثت في مكان آخر ربما في مكان بعيد جدا إنما أنجزها الرب لتوطيد إيماننا جميعا. وال بد من التذكير هنا أن يسوع لم يؤاخذ توما ألنه أراد تأسيس إيمانه على عالمة )إذ إن الرب خالل حياته العام ة أكث ر من اآليات لبعث اإليمان في القلوب( بل ألنه طالب بآية "له وحده". كان يتحتم على توما أن يكتفي باالستناد كما نفعل نحن إلى شهادة الذين سبق لهم أن شاهدوا المسيح القائم من الموت: "آمن ت ألنك رأيتني. فطوبى للذين يؤمنون ولم يروا" )يوحنا ۲۰/۲٩(.

53 53 إن أول تطويبة في اإلنجيل صدرت عن أليصابات عندما أشادت بإيمان مريم غير المشروط. وفي هذه التطويبة األخيرة يعلن يسوع الطوبى لكل الذين سينالون في األجيال القادمة نعمة اإليمان ال بدون عالمات وإنما باالكتفاء على غرار مريم بالعالمات التي يعطيهم هللا إياها من دون أن يطالبوا بعالمات خاصة وبإقتناعهم في سياق حياتهم بأن دروب هللا ال تت فق بالضرورة مع الدروب التي فكروا في سلوكها. * للحوار في الفرقة: ۱- هل نقدر نعمة اإليمان التي تلقيناها من هللا حق تقدير ماذا نفعل لتنميتها ۲- ربما كانت أول رد ة فعل صدرت عنا في المحن التي تخللت حياتنا ربما كانت االنهيار أو الغضب أو التمرد أو الشعور بالفراغ. فهل لجأنا بعد ذلك إلى نصوص من الكتاب المقدس ساعدتنا على االحتفاظ بإيماننا بحضور الرب ۳- هل ساعدنا أحيانا استذكارنا لآلالم التي عانى منها يوسف ومريم * للحوار بين الزوجين: هل يخطر على بالنا من حين إلى حين أنه بإمكاننا ويجب علينا أن يكون كل منا تجاه اآلخر "آية" أو "عالمة" لحب الرب وحنانه غير المحدود صالة الجتماع الفرقة )إنجيل يوحنا ۱۱-۱/۲( "كان في قانا الجليل عرس وكانت فيه أم يسوع. فدعي يسوع وتالميذه إلى العرس. ومس ت الحاجة إلى الخمر ألن خمرة العرس نفدت. فقالت ليسوع أمه: "لم يبق عندهم خمر". فقال لها يسوع: "ما لي ولك أيتها المرأة لم تأت ساعتي بعد". فقالت أمه للخدم: "إفعلوا ما يأمركم به". وكان هناك ستة أجاجين من حجر لقضاء الطهارة عند اليهود تسع كل واحدة منها مقدار مكيالين أو ثالثة. فقال لهم يسوع: "امألوا األجاجين ماء". فمألوها حتى طفحت. فقال لهم: "اغرفوا اآلن وناولوا وكيل المائدة". فناولوه. فذاق وكيل المائدة الماء الذي صار خمرا وكان ال يدري من أين أتت غير أن الخدم الذين استقوا كانوا يدرون. فدعا وكيل المائدة العروس وقال له: "جرت عادة الناس أن يقربوا الخمرة الجيدة أوال. فإذا أخذ منهم الشراب قربوا ما كان دونها في الجودة. أما أنت فأخ رت الخمرة الجيدة إلى اآلن". فهذه أولى آيات يسوع أتى بها في قانا الجليل فأظهر مجده فآمن به تالميذه". خمرة الوليمة المسيحانية إن أول أعجوبة أنجزها يسوع لم تكن شفاء مريض أو طرد أرواح شريرة بل كانت هدية عيد هدية عرس. وكان األنبياء قد وصفوا وليمة العصر المسيحاني على أنها مأدبة تسيل فيها الخمرة بغزارة )أشعيا ۲٥/٥ وزكريا ۱٩/٩(. أما يسوع فقد كشف هويته بجعله الخمرة تسيل وافرة في قانا )وردت لفظة "خمرة" ست مرات في النص( وبواسطته أبرم هللا مع بني البشر عهدا زوجيا جديدا وسكب في قلب شعبه فرحا ال يستطيع توفيره إال خمرة الملكوت المسيحاني الجديدة. ولكن عندما ستأتي "الساعة" سيراق دم حمل هللا دم العهد الجديد األزلي الذي يستطيع وحده أن يجلب إلى الناس "التطهير" النهائي. فالذين يشتركون في المأدبة السماوية هم الذين "غسلوا حللهم وبيضوها بدم الحمل" )الرؤيا ۱٤/٩(.

54 54 ساعدينا يا مريم على الوفاء بالتزاماتنا... إليك يا مريم أتوجه اليوم ألنك أنت هي التي لفظت ال"نعم" الحاسمة في انطالقة عظيمة من اإليمان والرجاء... قلت "نعم" للطلب العجيب الموجه إليك الستقبال الرب في داخلك... قلت "نعم" رغم عدم الفهم وهبوط الهم ة... قلت "نعم" أمام صدود ابنك الذي كان يريد إنجاز مهمته... قلت "نعم" لألعاجيب... لمخاطر التبشير... إلهانات المحاكمة... آلالم درب الصليب... لعار الصليب... للقيامة التي ال تصدق... للقديس يوحنا وللكنيسة الناشئة. يا سيدة ال"ن ع م" أنت الوفية لجميع وعودك علميني أن أستجيب دائما لنداءات ابنك وأن أكون وفيا مهما بلغ الثمن لكل االلتزامات التي تعهدت بها تجاه عائلتي تجاه أصدقائي في مهنتي في كنيستي تجاه فقراء العالم الثالث والرابع. يا سيدة "الن عم" أنت التي كانت تواظب كل يوم على الصالة ساعديني على أن أثابر على الصالة فهي وحدها ستعطيني الشجاعة والقوة ألعيش وفقا إلنجيل يسوع المسيح. آمين. (جان بيير دوبوا دومي مريم - صلوات Prières, 1987 (Jean Pierre Dubois Dumée, Marie, نصوص البابا يوحنا بولس الثاني يحدثنا عن إيمان مريم الفقرة ۱٩- بعد أن و جد يسوع في الهيكل وكان قد بلغ الثانية عشرة كان جوابه عن سؤال أم ه "يا بني لم صنع ت بنا هكذا ": "ألم تعلما أني ملتزم بشؤون أبي " ويزيد اإلنجيلي: "أم ا هما فلم يفهما الكالم الذي قاله لهما". فيسوع إذن كان يعي أن "اآلب وحده يعرف االبن" )متى ۱۱/۲٩( إلى حد أن تلك التي أعطيت أن يكشف لها بشكل أكثر عمقا سر بنو ته اإللهية أعني والدته هي نفسها لم تكن تحيا في صميم هذا السر إال باإليمان! وإذا كانت تعيش إلى جانب ابنها يجمعهما سقف واحد "وتحفظ في أمانة اتحادها بابنها" "كانت تتقدم في مسيرة اإليمان" كما يشير المجمع. وظل األمر كذلك حتى في سياق حياة المسيح العلنية. حتى إن الطوبى "للتي آمنت" التي جاءت على لسان أليصابات كانت تتكامل يوما بعد يوم. الفقرة ۱٨- هذه الطوبى بلغت ملء معناها عندما وقفت مريم عند قدمي صليب ابنها )يوحنا ۱٩/۲٥( ويعلن المجمع أن ذلك لم يحدث "بدون قصد إلهي": " لقد ظل ت مريم أمينة لإلتحاد بابنها حتى الصليب ومزقها األلم في ضراوة إذ كان قلبها وهو قلب أم مشاركا ابنها الوحيد في تقدمة ذاته محرقة. وقد رضخت في حب لتقدمة هذه الذبيحة التي ولدت من أحشائها". واتحادها بابنها هذا أماله اإليمان نفسه الذي أملى عليها طاعتها حيال ما كشفه لها المالك في البشارة. لقد سمعت آنذاك أيضا "أنه سيكون عظيما... وسيعطيه الرب اإلله عر ش داو د أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الدهر ولن يكون لملكه انقضاء" )لوقا ۳۳-۳۲/۱(. واآلن ها هي واقفة عند قدمي الصليب. إن ما تشهده ينسخ كليا هذه الكلمات. فابنها ينازع على هذه الخشبة كمجرم "مزدرى ومخذول من الناس رجل أوجاع ومتمرس بالعاهات... مزدرى فلم نعبأ به... س حق ألجل آثامنا" )أشعيا ٥۳/۳-٥(. ما أعظم طاعة اإليمان وكم تتجلى فيها بطولة إيمان مريم حيال "أحكام هللا البعيدة عن اإلدراك". إن "استسالم مريم هلل" هو استسالم العقل واإلرادة استسالم ال محدود لذك الذي "ما أبعد طرقه عن االستقصاء" )روما ۳۳/۱۱(! وما أقوى عمل النعمة في نفسها! وما أعمق أثر الروح القدس نورا وسندا! إن إيمانا كهذا يوحد مريم اتحادا كامال بالمسيح في مرحلة تالشي الذات هذه. المسيح... "القائم في صورة هللا الذي لم يعتد مساواته هلل حالة مختلسة بل الشى ذاته آخذا صورة عبد صائرا شبيها بالبشر". وعلى الجلجلة وضع نفسه أكثر "وضع نفسه وصار طائعا حتى الموت بل موت الصليب" )فيليبي ۲/٥-٨(. وعند قدمي الصليب شاركت مريم باإليمان في سر هذا التالشي المدهش. نجدنا هنا حيال "التالشي" اإليماني األكثر عمقا في تاريخ البشر. فباإليمان تشارك األم في موت ابنها موته الفدائي. ما أبعد هذا اإليمان النير عن إيمان الرسل الهاربين! وقد أك د يسوع بصليبه على الجلجلة وبشكل نهائي أنه "هدف للمخالفة" كما سبق وتن بأ سمعان. وفي الوقت نفسه كانت تتحقق على الجلجلة كلمات سمعان هذا لمريم "وأنت سيجوز سيف في نفسك".

55 55 )يوحنا بولس الثاني الرسالة البابوية: أم الفادي ۱٩٨٩( تعليق األب كونغار Congar كل شيء معلق على إيمان مريم التي آم نت بالكلمة أوال. وكما الحظ البابا يوحنا بولس الثاني )في الفقرتين ۱٤ و ۲٥( إن أول مخطط للعهد ارتبط بإيمان إبراهيم البطولي وكل العهد الجديد علق على إيمان مريم البطولي. وقد نضيف من جهتنا أن تأسيس الكنيسة مرتبط بمجاهرة بطرس بإيمانه. وكل هذه األعمال التي تمت في وقت معي ن من التاريخ كانت السبب في ما نحياه واقعيا اآلن. وهكذا نعيش من إيمان إبراهيم ومريم وبطرس ]...[. تحدث البابا عن مسيرة مريم في اإليمان من بداية تأمله إلى نهايته. نإ" طريق إيمان مريم لم ينته وقد فك رت كثيرا في هذا األمر. حسب ما ورد في الكتاب المقدس كانت مريم حاضرة عند الصليب. وبعد مرور خمسين يوما كانت أيضا حاضرة في العنصرة. وقد تراءى يسوع القائم من الموت عدة مرات في الفترة الفاصلة بين هذين الحدثين. ومن المستحيل أن تبقى مريم التي كانت مع يوحنا وسائر الرسل غريبة عن تلك األمور. ولكن ها قد أتت العنصرة. وفي األيام التي سبقتها منذ صعود المسيح كانت مريم مع غيرها ومع الرسل األحد عشر باإلضافة إلى متيا وكانت تصلي برفقتهم )ح د ث ذك رته رسالة المجمع الفاتيكاني االفتتاحية إلى العالم(. وجاء في تعليق الحبر األعظم )رقم ۲٩(: "إيمان مريم هذا الذي يؤذن ببداية العهد الجديد األبدي عهد هللا في يسوع المسيح هذا اإليمان الشجاع يسبق شهادة الكنيسة الرسولي ة ويبقى في قلب الكنيسة محفوظا كإرث خاص من وحي هللا ]...[. وهذه المشاركة النشطة في إيمان مريم هي التي تحدد حضورها الخاص في مسيرة الكنيسة بوصفها شعبا جديدا هلل على األرض". لم يذهب المجمع إلى هذا الحد بيد أن هذا الحضور هو الذي يبرر وجود مجال روحاني يختبره كل من الكاثوليك واألرثوذكس حيث يجدون فيه حرارة إيمانهم بالمسيح وقد تحدث جان غيتون على ما أعتقد عن فلك مريم المرتبط دوما بفلك يسوع. ويرى األرثوذكسيون أن ذكر القديسة مريم أم هللا موجود في كل صلوات الكنيسة. )أم الفادي ۱٩٨٩( من أقوال ماكسيميليان كولب )۱٩۳٦( تجن بوا الحز ن أل ي سبب كان حتى لو كان هذا السبب وجيها. التزموا دائما الهدو ء نترك مخاوفنا إلى العذراء الطاهرة فسوف تغيرها لما فيه خيرنا األعظم. وراحة الفكر. ودعونا * * *

56 56 سيدة االبتسامة بتاريخ ۱۳ أيار ۱٨٨۳ وفي عيد العنصرة شفيت تيريزا مارتان- التي سمي ت فيما بعد تيريزا الطفل يسوع - شفاء فوريا بمجرد التفاتها نحو تمثال العذراء الموجود بالقرب من سريرها في إحدى غرف بيت "بويسونيه".Buissonnets وقالت في هذه المناسبة: "فجأة ب دت لي القديسة العذرا ء جميلة إلى درجة أنه لم يسبق لي أن شاه د ت مثل هذا الجمال فكان وجهها يشع ودا وحنانا ال يوصفان ولكن ما أث ر في حتى أعماق نفسي هو ابتسامتها الرائعة. ومن هنا تأتي تسمية "سيدة االبتسامة" التي أطلقت بعدئذ على التمثال الموجود حاليا فوق مكان وجود ذخائر القديسة تيريزا في كنيسة الكرمل. ق د م هذا التمثال هدي ة للسيد مارتان عندما كان عازبا وبعد زواجه أصبح التمثال محور الصالة العائلية في بيته. فكان ي حاط في مستهل شهر أيار بغصون من الزعرور تصل حتى سقف الغرفة وكان األوالد يستمتعون بإشعال العديد من الشموع أمامه. وبعد وفاة السيد مارتان ن قل التمثال إلى الكرمل ووضعته تيريزا في مدخل حجرتها. وبتاريخ ۱۱ حزيران ۱٨٩٥ ركعت أمامه مع شقيقتها سيلين وتلت فعل تقدمتها إلى الح ب الرحيم.

57 57 وعندما نزلت تيريزا إلى مستوصف الدير بتاريخ ٨ تموز ۱٨٩٩ وجدت هناك عذراء "بويسونيه " التي كانت قد و ضعت في اليوم السابق على طاولة أمام سريرها. وفي الثالثين من أيلول في الساعة الثامنة عشرة وبينما كان جرس صالة التبشير يدق ألقت تيريزا نظرة طويلة وللمرة األخيرة على تمثال العذراء. وبعد ساعة لفظت أنفاسها األخيرة. ي الح ظ في التمثال أ ن قدم ي العذراء تسحقان األفعى الجهنمية وأن يديها ممدودتان كما لو كانتا تسكبان ن ع م السماء. وتشا هد هذه الوضعية في المدالية العجائبية التي طلبتها مريم من القديسة كاترين البوريه.Rue du Bac عام ۱٨۳۰ في كنيسة شارع "باك" Cathérine Labouré ابتهال مثل الطفل الضال الذي ع هد به إليك أنا لك يا مريم! مثل الطفل المرتعب الذي يخاف كثيرا من الذئب أبقى بالقرب منك يا مريم! مثل الطفل المدلل الذي ال يكتفي بشيء جئت ألطلب منك يا مريم! مثل الطفل الجريح الذي تلقى لطمات عديدة ألجأ إليك يا مريم! مثل الطفل الخجول الذي يرغب في أن يقتحم الصعوبات أريد أن أنتصر معك يا مريم! مثل الطفل المتعطش إلى الطهارة والجمال جئت ألنظر إليك يا مريم! مثل الطفل الباكي ألنه وقع أنتظر أن تساعديني يا مريم! مثل الطفل الذي يبحث عن مكان وجود الحقيقة أعلم أنك ستقودينني إليها يا مريم! مثل الطفل الفضولي الذي يريد أن يتعلم كيف يقرأ في نظرة هللا أريد أن تعطيني عينيك يا مريم! ومثل الطفل الصغير الذي يتوجه نحو أبيه الكلي العظمة أريد أن أمسك يدك يا مريم! * * *

58 58 لفصل السابع مربية صلواتنا "وكانوا يواظبون جميع ا على الصالة مع بعض النسوة ومريم يسوع" أم )أعمال الرسل ۱/۱٤( كثيرا ما يجتمع أفراد العائالت المسيحية حول أيقونة مريم أو تمثالها ليتلوا معا صالة المساء. وهم بذلك وبدون قصد يحذون حذو الرسل بعد رحيل معلمهم. فقد اجتمع الرسل في العلية كي يتهيأوا الستقبال الروح القدس الذي وعدهم به يسوع وكانت برفقتهم بعض النسوة ومريم أم يسوع. ومثلما حصل في قانا الجليل في مستهل حياة المسيح الرسولية "كانت أم يسو ع هناك". فساع دت التالميذ على الصالة خالل األيام التسعة التي أعقبت صعود يسوع - وهي أول تساعية في تاريخ الكنيسة - وهيأتهم بم ثلها وبقوة رجائها على تلقي الفيض الهائل من الروح القدس الذي انسكب عليهم يوم العنصرة. واليوم أيضا تدعونا الكنيسة إلى عدم نسيان حضور مريم وقربها الشديد منا كل ما صلينا وإلى تذ كر أ ن باستطاعتها مساعد تنا على أن نتلقى بدورنا "فائضا" من الروح القدس مما يف رح قلوبنا ويج دد شباب الكنيسة برمتها. كيف تستطيع مريم أن تساعدنا على الصالة بشفاعتها وبقدوتها أو مثالها. أوال : الصالة مع مريم وأسوة بمريم إذا نظرنا إلى مريم وهي تصلي في اإلنجيل نالحظ االتجاهين الرئيس يين اللذين يجب أن تسلكهما صلواتنا نحن شخصية كانت أم جماعية. - فكما فعلت مريم في قانا الجليل تقتصر صالتنا تارة على عملية عرض األمور بحيث ن علم الر ب برغباتنا وحاجاتنا أو برغبات إخوتنا وحاجاتهم: "لم يب ق عندهم خمر". وفي مثل هذه الحالة نثق باهلل إلى حد أ ننا ال نشعر بالحاجة إلى توضيح طلبنا فإنه تعالى يعلم ما عليه أن يفعله أكثر منا. وعندئذ وأسوة بامرأتين أخر يين من اإلنجيل هما مرتا ومريم شقيقتي لعازر نكتفي بأن نقول له بإلحاح : "رب نا إن الذي تحبه مريض" )يوحنا ۳/۱۱(. ما أحلى تلك الصالة البسيطة المتجردة! كم هي مفعمة بالثقة! وكم س يعجب بها الرب ألنها ال تلجأ سوى إلى حبه ح به الذي نعلم أن ال حدود له: "ر بنا ذاك الذي تحبه مريض!". وإذا بدا هللا وكأنه يتغافل عما نسأله فإننا نعلم علم اليقين أنه يصغي إلينا ولن يتركنا نفتقر إلى شيء. أليس هو الراعي الصالح الذي يحرص على إعطاء ك ل من خرافه ما يحتاج إليه وفي الوقت المناسب - وتارة أخرى تراودنا الرغبة مثلما فعلت مريم عندما أنشدت نشيدها يوم زيارتها أليصابات في أن نعلن مجد الرب ونرفع الشكر إليه مر ددين بعض اآليات: " يا إلهي كم أنت عظيم وجميل! أيها اإلله الحي العلي أنت إله المحبة اإلله الحاضر في كل خليقة!". إن هذا ال بعد في التسبيح هو ب عد جوهري بالنسبة إلى الصالة المسيحية وبه نبتدئ الصالة التي علمنا إياها يسوع: "أبانا الذي في السموات ليتقدس اس مك". بيد أ ن صالة التضرع تروق للرب بذات المقدار وي سر بها إذا رأى أبناءه يطلبون منه بدون خوف ما يحتاجون إليه بدءا بخبزهم اليومي! فماذا سيكون األب الذي ال يستطيع أوالده أن يعرضوا له بثقة ك ل بؤسهم ورغباتهم وحياتهم يت فق هذان االتجاهان مع حركتي الروح القدس اللتين يحدثهما فينا.

59 59 فالروح القدس هو في آن واحد عطية اآلب الدائمة البنه واالنطالقة المستمرة من االبن نحو اآلب. وعندما نفهم جيدا هذين االتجاهين اللذين يطبع بهما الروح القدس صالتنا تتبسط حياتنا الروحية بقدر كبير. - فتارة نستقبل الروح القدس الذي يعطينا إياه اآل ب عن طريق المسيح فتصبح صالتنا انفتاحا ل ح ب اآلب ألن ح به وعطي ة روحه هما أمر واحد بالنسبة إليه إذ تلك هي الطريقة األزلية التي يحب بها! الصالة إذا هي أن نترك نهر الماء الحي يغزونا هذا النهر الذي ينبع من اآلب ويمر في جنب يسوع المطعون. - وتارة أخرى نترك الروح القدس يجرفنا نحو اآلب مرددين بمحبة وثقة ذات الكلمة التي ما فتئ يسوع يوجهها إلى أبيه: " أ با يا أ ب ت!" )مرقس ۳٥/۱٤ ( والتي ذكرها القديس بولس في رسالته إلى أهل رومة )۱٥/٨( قائال :"إن الروح القدس ينضم إلى قلوبنا في العمق ليجعلنا ننادي: " أ با يا أ ب ت!" وهكذا نالحظ أن صالتنا - التي هي ت نف س أرواحنا تقوم بحركة مزدوجة على غرار الرئتين عندما نتنفس فتارة أتلقى الروح الذي يأتي ليمأل قلبي ويجدده تجديدا جذريا وتلك هي مرحلة الشهيق وتارة أخرى تجرفني هذه النفحة اإللهية فأنقاد نحو اآلب وتلك هي مرحلة الزفير. ويحدث أحيانا أن يشعر المسيحي بتحريض الروح القدس في عمق قلبه. وهذا ما اختبره اغناطيوس األنطاكي على متن السفينة التي كانت تنقله إلى رومة ل يرمى به إلى الوحوش المفترسة فقال: "أسمع ماء حيا يهمس في داخلي: تعال نحو اآلب". ويمكن القول هنا إن الروح القدس في تلك اللحظة ال ينعش المسيحي وحسب بل يحركه أيضا. وعندئذ يتحقق ما كتبه القديس بولس إلى أهل رومة )۱٤/٨(: " إن الذين ينقادون إلى روح هللا يكونون حقا أبناء هللا". عندئذ ال تعود هناك حاجة إلى "التجديف" بقوة اليدين للتقدم نحو هللا إذ إن الريح تهب وتنفخ في األشرعة. ي طلق التقليد المسيحي تسمية "مواهب الروح القدس" على تلك "األشرعة" التي إذا ما تم بسطها بشكل جيد تتيح لتالميذ المسيح أن يستفيدوا كليا من "حركة" روح هللا. وهذه العطايا هي أيضا "رادارات" أو هوائيات حساسة جدا تمكن المسيحيين من التقاط "رسائل" الروح القدس. ويزيد مردودها كلما زاد نشاطها مما يفترض أن نتعو د اإلصغاء إلى هذا المعلم الداخلي الذي يلقن بهدوء وال يكشف نفسه إال للقلوب المتواضعة المقتنعة بأنها ال تستحق شيئا. ثاني ا: التضرع إلى مريم ليست مريم مثال صالة ال ي ضاهى فقط بل إنها أيضا األم التي تشفع لنا باستمرار مع المسيح وبالمسيح لدى اآلب. ومن حقنا أن نلجأ إلى شفاعتها كما فعلت الطقوس الكنسية منذ نشأتها. والجدير بالذكر أن يسوع أنجز أولى أعاجيبه في قانا الجليل بناء على طلب ملح من أ مه حتى إن ها عج لت في جعله يكتشف نفسه إن صح القول. فعندما لفتت مريم نظر ابنها إلى نفاد الخمر مما قد يكد ر حفلة العرس أجابها أن ساعته لم تأت بعد. إال أن ذلك لم يمنعها من أن تقول للخدم: "افعلوا ما يأمركم به". وإذ بيسوع يطلب إليهم على الفور أن يمألوا األجاجين ماء! من المعقول جدا أن يكون إلحاح مريم اللطيف قد جعل يسوع يعي أنه حان الوقت ليقدم إلى تالميذه عالمة ساطعة تدل على هويته المشيحية. ونعيد إلى األذهان أن صلواتنا لمريم ال ترمي إلى إثارة محبتها كأم أو إلى زيادة تلك المحبة. فنحن عندما نكرر السالم المالئكي بدون كلل ال نستهدف جعل مريم تزيد من صلواتها ألجل أبنائها بل تخصيص الوقت الكافي لنتأملها وهي تصلي ألجلنا فننفتح الستقبال كل النعم التي تطلبها من أجلنا. فال نخشى إذا أن نتضر ع إليها فاهلل ال يغار من لجوئنا إلى شفاعتها كي يسكب علينا عطايا روحه إذ هو الذي أراد ذلك. ال يحتاج هللا مطلقا كي يحبنا ويغمرنا بحسناته ال إلى صلواتنا وال إلى شفاعة الطغمات السماوية! إنه يحبنا إلى حد أنه يريد أن يصبح في حاجة إلينا. وبطريقة خفية يريد أن يتمكن أبناؤه من أن يصلوا بعضهم ألجل بعض: وهذا هو سر شركة القديسين السر الذي حظي بإعجاب القديس أوغسطينوس منذ ذلك الحين. فال نخافن إذا من التضرع إلى مريم مدركين سعادتها إذا ما رأتنا نلجأ أيضا إلى شفاعة سائر القديسين الذين هم في السماء وعلى األرض. وما أكثر الطاقة التي نهدرها عندما نهتم بأشغالنا ساهين عن هبة يسوع الرائعة بإعطائنا مريم أما لنا.

60 60 بتاريخ ۱۲ أيار ۱٩۳۰ ع بر الطيار جان مرموز Jean Mermoz للمرة األولى المحيط األطلسي على متن طائرة مائية فمر فجأة في منطقة واقعة في ظالم حالك من جر اء المطر الذي كان يهطل مدرارا. وفي تلك اللحظة بالذات حصلت مفاجأة سارة إذ التقط برقية من والدته جاء فيها: "حبيبي جان أنا معك أمك". أجل في جميع العواصف التي تجتاح حياتنا المتقلبة تكون مريم هناك مثلما كانت في قانا الجليل! هذا ولن يتم التقارب بين المسيحيين المفترقين بسرعة أكبر إن هم تغافلوا عن أهمية الدور التي تقوم به مريم. إنها "أم الكنيسة" بالمعنى التام للكلمة لذلك ال يمكن أن تتم المصالحة المسكونية إال معها وحولها. غالبا ما تساهم األم ضمن عائلتها في تهدئة النزاعات التي تحصل بين اإلخوة واألخوات. فمن باب أولى أن يكون األمر كذلك عندما يتعلق الموضوع بإخوة يسوع وأخواته الذين عهد بهم هو بنفسه إلى عناية أمه. * للحوار في الفرقة: ۱- كيف نعيش من الروح القدس هل دخل إلى حياتنا ذات يوم كما فعل مع الرسل يوم العنصرة أو أصبح منذ أمد طويل الروح الذي نحاول استقباله في قلوبنا كل يوم بصورة أفضل ۲- لم ت ش غل مري م قط أية مرتبة من المراتب الكنسية ولم تقم بأية رسالة. بماذا يستطيع دورها في تاريخ خالصنا أن ينير أفكارنا حول مكانة النساء في الكنيسة * للحوار بين الزوجين: هل حققنا بعض التقدم هذا العام في صالتنا الزوجية هل مريم حاضرة بقدر أكبر في حياتنا صالة الجتماع الفرقة )من أعمال الرسل ۱۲/۱-۱٤ و ٤-۱/۲ ( فرجع الرسل إلى أورشليم من الجبل الذي يقال له جبل الزيتون وهو قريب من أورشليم على مسيرة سبت منها. ولما وصلوا إليها صعدوا إلى العلية التي كانوا يقيمون فيها وهم بطرس ويوحنا ويعقوب وأندراوس وفيليبس وتوما وبرتلماوس ومتى ويعقوب بن حلفى وسمعان الغيور ويهوذا بن يعقوب. وكانوا يواظبون جميع ا على الصالة بقلب واحد مع بعض النسوة ومريم أم يسوع وإخوته... ولما أتى اليوم الخمسون كانوا مجتمعين كلهم في مكان واحد فانطلق من السماء بغتة دوي كصوت ريح عاصفة فمأل جوانب البيت الذي كانوا فيه. وظهر ت لهم ألسنة كأنها من نار قد انقسمت فوقف على كل منهم لسان فامتألوا جميع ا من الروح القدس وأخذوا يتكلمون بلغات غير لغتهم على ما منحهم الروح القدس أن ينطقوا. مريم نموذج صالتنا حقا إنه لواجب وعدل أن نمجدك ونشكرك دائما وفي كل مكان أيها اآلب القدوس اإلله األزلي الكلي القدرة بيسوع المسيح ربنا. ومن كثرة محبتك أعطيت الكنيسة نموذجا للعبادة الصحيحة في شخص مريم العذراء. إنها العذراء المصغية التي استقبلت كالمك وتأم لته صامتة في قلبها. إنها العذراء المصلي ة التي أشادت برحمتك في تسبحتها وشفعت ألجل العريسين في قانا الجليل وانضمت إلى صالة الرسل اإلجماعية.

61 61 إنها العذراء التي أنجبت إذ حملت ابنك بقدرة الروح القدس وأصبحت أمام الصليب أما لشعب العهد الجديد. إنها عذراء التقدمة إذ قدمت لك في الهيكل يسوع وليدها البكر ورضيت أن تضحي بابنها عند أقدام شجرة الحياة. إنها العذراء اليقظة التي سه رت بانتظار قيامة المسيح وصل ت بانتظار حلول الروح القدس. فمع أجواق المالئكة السماوية المغبوطين نرتل لك: "قدوس قدوس قدوس..." نصوص أنظر إلى النجمة وناد مريم! "واسم العذراء مريم..." )لوقا ۱/۲٩( إن تسمية "نجمة البحر" تليق تماما باألم التي بقيت عذراء وتشبيهها بالنجم أو بالكوكب تشبيه صحيح جدا ألنها تبعث بأشعتها مثله دون أن تتلف نفسها وهذا هو شأن العذراء التي تلد طفلها دون جرح داخلي. وكما أن األشعة ال تقلل من لمعان النجم كذلك ال يقلل االبن الوليد من طهارة العذراء. نعم إنها النجمة النبيلة من ساللة يعقوب وأشعتها تنير الكون بأسره. روعتها تتألق على القمم وفي الوقت ذاته تسبر أعماق الوديان. حرارتها تنسكب على كافة أنحاء األرض وتدفئ النفوس أكثر من األجساد وتنضج الفضائل وتحرق العيوب. أجل إنها النجم الساطع الرائع الذي ال بد منه والذي يرتفع فوق المحيط الشاسع في بريق استحقاقاته وإشعاع مثله. أيها اإلنسان الذي يشعر بانجرافه في تيار هذا العالم بين العواصف والزوابع بدال من أن يمشي على األرض اليابسة! ال تبعد نظرك عن لمعان هذا النجم إذا كنت تريد تجنب الغرق في العاصفة. عندما تهب رياح التجارب وتنقاد أنت نحو صخور الشدائد أنظر إلى النجمة وناد مريم! إذا كانت تتقاذفك أمواج الكبرياء والطموح والتحقير والحسد أنظر إلى النجمة وناد مريم! إذا اهتزت نفسك من الغضب أو البخل أو سحر الجنس أنظر نحو مريم. إذا كنت معذبا من فداحة جرائمك وخجال من تلوث ضميرك ومذعورا من هول المحاكمة فأصبحت على شفير الكآبة واليأس وج ه أفكارك نحو مريم! في المخاطر في القلق في األزمات فك ر في مريم وتضر ع إليها! ال تد ع اس مها يترك شفتيك وقلبك. ولكي تحصل على الرضا في صلواتها ال تهمل االقتداء بحياتها. إذا تبع تها لن تنحرف وإذا تضرعت إليها لن تيأس وإذا فكرت فيها لن تضل الطريق. إذا أمسك ت ك فلن تهوي وإذا حمتك فلن تخاف وإذا قا دتك فلن تتعب. وبحسن التفاتها ستصل )إلى المرفأ(. وهكذا تختبر بنفسك ما قيل في الكتب بصدق :" واسم العذراء مريم..." )لوقا ۱/۲٩(. )من أقوال القديس برنار دو كليرفو )۱۱٥۳-۱۰٩۰()St. Bernard de Clairvaux المسمى "بالملفان المريمي أهم أتقياء السيدة مريم"( من أقوال سيرج بوني Serge Bonnet كل سبحة تتلى هي دوالب آخر يجعل العالم يتقدم نحو هللا.

62 62 طلبات سيدتنا مريم بعد انقضاء ثالث سنوات على اهتدائه عام ۱٩۰٨ وقع الشاعر شارل بيغي )۱٨٩۳- Charles Péguy ۱٩۱٤( في حالة من "الضيق النفسي" ما لبثت أن تفاقمت عندما أصيب أصغر أوالده بيير بداء التيفوئيد في شهر شباط ۱٩۱۲. فأمضى خمسة عشر يوما في قلق شديد إلى أن نذر أن يقوم بالحج إلى "شارتر" مشيا على األقدام في حال شفاء ابنه. وهكذا في شهر حزيران التالي قطع مسافة ۱٤٤ كيلومترا خالل ۳ أيام. وبتاريخ ۲٩ أيلول ۱٩۱۳ باح إلى صديقه "لوت" Lotte بما يلي: "لقد أنقذتني سيدتنا مريم من اليأس وهو الخطر األكبر وتخلصت منه عندما أل فت كتابي "المدخل". فقد أدرك هذا الشاعر تماما أن الرجاء الفضيلة اإللهية الثانية إنما هو نعمة أساسية نحصل عليها بشفاعة تلك التي "تبتهج إلى أقصى حد" " وتتألم إلى أقصى حد" في آن واحد. مريم هي أول مخلوقة تم فيها تحقيق التطويبات وتذليل أشد التناقضات: